الخصلة الثالثة التي كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منها، هي: أن يُرد إلى أرذل العمر، أي: يمضي به العمر، وامتداد العمر يرد الإنسان إلى أوله؛ لأن من وصل إلى أرذل العمر، يصبح قليل الإدراك، قليل القوى، ضعيفاً كالطفل سواء بسواء؛ فإذا وصل إلى ذاك الحد كان امتداد العمر به ومضيه به إلى الأمام كأنه في حلقة بدأ بالصفر وهو طفل لا يعي شيئاً، ومشى في الدائرة حتى جاء إلى القمة؛ فكان في قوته ومنعته وذكائه وفطنته بلغ جهده كاملاً، ثم بدأ ينحرف مع الدائرة حتى إذا وصلت به إلى نقطة البداية رد إلى ما كان عليه في ضعفه لا يفقه شيئاً، والشخص إذا كبر لا يحسن التصرف، وربما يبكيه الشيء القليل كالطفل، ولا يستطيع أن يُحكم أمره، ويكون في حاجة إلى قوامة عليه في أكله وشربه وما يحتاجه، فاستعاذ صلى الله عليه وسلم أن يمتد به العمر إلى أن يواصل السير حتى يعود إلى ما كان عليه في بداية عمره، وهي حالات الطفولة، وإذا كان الأمر كذلك، فطول العمر مذموم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) ، ما دام أنه في حسن العمل فالحمد لله، وإذا وصل إلى حد يسقط عنه القلم لا يُحسن أن يصلي ويعقل أو يصوم ولا يدرك أن يزكي؛ فحينئذ لا يوجد عمل، ويكون طول العمر حينئذ عبئاً عليه، ونسأل الله السلامة والعافية.
والعمر رزق من عند الله، وليس لأحد فيه تصرف، ربما نسمع أن بعض الأشخاص تجاوز المائة، وهناك من عاش إلى مائة وخمسين إلى مائتين إلى ثلاثمائة سنة، ولا نبعد فنوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو قومه فقط، وقبل هذا كم؟ لا نعلم، ويقولون: كلما طال الزمن كلما قصرت الآجال، فكانوا في السابق يعيشون المائة والمائتين والثلاث والأربع، والآن تقاصرت الأعمار، والله تعالى أعلم.
يهمنا في هذا: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من تلك الحالة، إذاً: وأنت في شبابك أو شيخوختك وقواك يجب أن تعمل؛ لأنك لا تدري فربما يمتد بك العمر حتى لا تستطيع أن تعمل؛ ولهذا كانت استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة، والله تعالى أعلم.