قال رحمه الله: [وعن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، ولم يحمد الله؛ ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عجل هذا! ثم دعاه فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء) ، رواه أحمد والثلاثة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم] .
كيف تكون الصلاة؟ وما الصيغة التي يلتزمها الإنسان فيها؟ النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يصلي، وهذه الصلاة إما أن تكون نافلة وهو الأغلب، وإما أن تكون فريضة فاتته، المهم: أن هذا الرجل دعا الله في صلاته دون أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا) ، أي: تعجل في الدعاء ليحصل على الإجابة المطلوبة، ثم دعاه فقال له: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بالثناء على الله، وليصل على النبي) انظروا الصيغة هنا ما هي؟ (وليصل على النبي) ، ولم يقل يصل عليّ؟ لأن الغرض ليست الصفة الشخصية الذاتية لمحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، ولكن الغرض الصفة المندمجة من شخصيته الذاتية وصفته النبوية.
انظروا يا إخوان هنا! لتنظروا المغايرة، وما يسمى في البلاغة بالتجريد في قضية الحفاظ على الحدود وإقامتها لما قال: (أتشفع في حد من حدود الله، لو أن فاطمة بنت محمد) لم يقل بنت النبي؛ لأن النبوة بعيدة عن هذا، ولأنها ستكون حالة شخصية، ومن محمد يا رسول الله؟ أليس أنت؟ لا، هنا الحدود ليس فيها نبوة ولا رسالة ولا شيء، النبوة رسالة معصومة من ذلك، ولكن محمد الذي تعرفون نسبه وشرفه ومنزلته بغض النظر عن جانب النبوة.
قال: [إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه] .
يبدأ بتحميد ربه سواء أراد البداءة في الفاتحة أو التحيات؛ لأنه حمد لله، وهذه مقام: (التحيات لله) .
قوله: [والثناء عليه] هذه مقام: (الطيبات المباركات) .
[ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم] .
هنا الحديث: (إذا صلى أحدكم) : تعليم متعلق بالدعاء في الصلاة: بأن يحمد الله ويثني عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله حاجته، وجاء هذا التعليم أيضاً خارج الصلاة مطلقاً، مثلاً: مشيت في الطريق ولك حاجة، وتريد أن تسأل الله إياها: ابدأ فاحمد الله واثن عليه، وصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سل الله حاجتك، واختم الدعاء بالصلاة على النبي، وهذا.
(قمنٌ أن يستجاب له) أي: حري بالإجابة، ويقول العلماء: لأن الحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات إلى الله، ويكفينا قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيُِّ} [الأحزاب:56] ، ويكفينا بأن الله يصلي عليه بالمرة عشر مرات، فهي من أعظم القربات إلى الله، وورد حديث في الصلاة، (أجعل نصف صلاتي لك، أجعل كل صلاتي، فقال: كفيت أمرك) ، وهذا باب واسع مستقل لا يحتاج إلى إيضاح، فإذا قدّم بين يدي حاجته هذه القربات لله سبحانه بالحمد والثناء عليه، والصلاة على رسوله، ودعا وختم بالصلاة قالوا: هذا الثناء في أول الدعاء والصلاة في أولها وآخره كالجناحين يرتفع بهما السؤال إلى الله، فإذاً عنده آلة رفع ترفعه إلى المولى سبحانه، فإذا قُدم السؤال في باقة من الزهور والورود بين دعاء وثناء على الله سبحانه معطر ومطيب بهذه الطيبات حري أن يستجاب، لكن جئت ورفعت يدك وقلت: اللهم اغفر لي، حسناً، دق الباب واستأذن، تلطف قليلاً، استعطف، أظهر الحاجة والفاقة.
مثاله: (اللهم إنك عفو تحب العفو) .
فهنا قدمت مقدمة لحاجتك وسؤالك، وهي قولك: (اللهم) ، وتريد عافني واعف عني، ولكن أيها ألطف؟ يا رب! أنت عفو وتحب العفو، وبعفوك ومحبتك للعفو اعف عني، يكون السؤال ملطفاً ومقدماً له بمقدمة، وحري بإجابته هكذا.
إذاًَ: المقام هنا يتعلق بالصلاة، وجاء المقام عاماً خارج الصلاة، فإذا كان الأمر كذلك تكون قاعدة مطردة في الصلاة وفي غير الصلاة: إذا سأل الله أحد من الناس فليقدم بين المسألة ما يقربه إلى الله، وبيّنه صلى الله عليه وسلم بالحمد والثناء والصلاة على النبي، هذا عام وإذا كان في الصلاة كذلك، وبيّن صلى الله عليه وسلم أنه لا يعجل، بل يحمد الله ويثني عليه، ثم يصلي على النبي، ثم يتخير المسألة.
وبعد أن قدم المؤلف رحمه الله هذا الأمر كأنه يشعر بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل، هو سمعه في الصلاة أو خارج الصلاة؟ أين سمعه؟ الرجل يصلي، قال: (عجل هذا ثم دعاه فأخبره) هل رده ليعيد الصلاة لعدم صلاته على النبي أو أقره على صلاته؟ إذاً: الصلاة على النبي التي تركها في تلك الصلاة مندوب إليها، ومن هنا قدم المؤلف هذا الحديث ليعطي مقدمة فقهية، وهي: أن الصلاة ليست واجبة مع الخلاف الموجود عند العلماء.
إذاً: أخذنا من هذا الحديث ما ينبغي على الإنسان أن يُقدم على الدعاء من الصلاة على النبي والثناء على الله.
(ثم يدعوا بما شاء) .
وتقدم في حديث ابن مسعود: (وليتخير من المسألة أعجبه) ، وتقدم أيضاً التنبيه على قوله: (يتخير) وهنا: (بما شاء) ، ولكن هل المشيئة مطلقة أو مقيدة بأقل شيء بالأدب الشرعي؟ المشيئة مقيدة، وفي الحديث: (والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون هواه -مشيئته، إرادته، رغبته- تبعاً لما جئت به) .