قال: [وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر) .
] .
هذه لطيفة من لطائف المؤلف، فلما أورد (أي بني محدث) موجهة للصبح؛ أراد أن يبين لنا متى يكون، فجاء بحديث الحسن بن علي، وقنوت الوتر إذا ثبت لا ينفي قنوت الصبح، ولكن يهمنا أنه أثبت قنوتاً في الوتر، ومن هنا: أخذ الأحناف والحنابلة أن القنوت محله الوتر، وأخذ المالكية والشافعية أن القنوت محله الصبح، وبهذا يكون التسلسل مع المؤلف على هذا السياق.
ومن قوله (علمني كلمات أقولهن) : قال بعض العلماء: ينبغي ألا يتعدى الإنسان في قنوته على هذه الكلمات التي علمها رسول الله للحسن، وقالوا: هذا دعاء في الصلاة ينبغي أن يتقيد به المسلم، والآخرون قالوا: وهل نهى عن غيرها؟ قالوا: لا، قالوا: إذاً: علمنا، كما جاء في التشهد كان يعلمنا التحيات كما يعلمنا السورة من القرآن، ولما جاء معها (كما يعلمنا السورة من القرآن) هل تكون مثل هذه المطلقة؟ لا، هناك يجب أن يتقيد؛ لأن السورة من القرآن، لا يصح فيها الزيادة ولا النقص، بخلاف علمني، لا مانع أنه علمه هذه وقد يعلم غيره غيرها، لكن يهمنا ثبوت القنوت في الوتر، وبه أخذ من قال من الأئمة رحمهم الله.
قال: (اللهم اهدني فيمن هديت) ، هذه ألفاظ يحفظها الشافعية خاصة ومن أخذ بهذا الدعاء، ومن أخذ بدعاء علي فإنه أوسع من ذلك، والذي يهمنا أنه جاء تعليم كلمات تقال في قنوت الوتر، وجوهر الموضوع عندنا إثبات القنوت في الوتر، وأن الرسول علم الحسن كلمات فيه، فإذا كان علم كلمات في قنوت الوتر فهذا دليل على إثبات القنوت في الوتر.
ومثله: (ماذا أقول إن أنا زرت المقابر؟ قال: قولي: ... ) وعلمها ما تقول، فهذا أخذ منه العلماء تقرير جواز زيارة النساء للمقابر ما لم يتكلمن بما هو مناف للشرع.
قال:: ( [اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تبارك ربنا وتعاليت) ، رواه الخمسة.
] .
أعتقد أن أمثال هذه الألفاظ مرت علينا مراراً، ولكن يهمنا الجديد فيها: (فإنك تقضي ولا يقضى عليك) ؛ لأنه سبحانه مالك الملك، وهو يجير ولا يجار عليه، فهذا من هذا الباب، ومن أجاره الله لا أحد يستطيع أن يصل إليه بشيء، (ولا يجار عليه) : لا يمكن لكل الخلائق في الدنيا أن يجيروا إنساناً من عذاب الله على الله، لا يقولون: يا رب لا تعذبه ونحن أجرناه! من أنت حتى تجير على الله؟.
قال: [وزاد الطبراني والبيهقي: (ولا يعز من عاديت) ، وزاد النسائي من وجه آخر في آخره: (وصلى الله تعالى على النبي) .
] .
كل هذه الزيادات موضع خلاف؛ فهناك من يقتصر على ما اتفق عليه ويترك ما انفرد به الراوي، ولكن القاعدة الأصولية والحديثية: زيادة الثقة مقبولة، فإذا جاء النسائي بزيادة: (وصلى الله على النبي) فهي مقبولة، وإذا وجدت قرائن وشواهد لها تكون مؤيدة أكثر، ونحن عندنا من آداب الدعاء ومن شروط قبوله: أن تبدأ فتحمد الله وتصلي على رسوله، وتختم أيضاً بالصلاة على رسوله؛ فإنه حري أن يستجاب لك.
إذاً: الزيادة التي زادها النسائي لا تعارض معها بل يوجد في عموم الأحاديث ما يؤيدها.