قوله: (وعافني) : العافية أعظم مطلوب للإنسان، وكما جاء في ليلة القدر؛ لما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا أقول إن أنا صادفتها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) ، تأمل هذا الموقف! أحب الناس إلى رسول الله، وتسأله عن أعظم مطلب عند المسلم وفي ليلة القدر: ماذا تقول فيها؟ وخير الخلق صلى الله عليه وسلم يقول هذا لأحب الناس إليه، أي: أنه سينصح لها كامل النصح، (قولي: اللهم ... ) ، وهذا التعليم ليس خاصاً بها، وإنما نقلته لنا لنتأسى بها فيكون للجميع، كما جاء الحديث: (قولي لواحد منكم كقولي لألف واحد) ، تشريع عام، ونجد أيضاً المقدمة بين يدي الحاجة والسؤال: (اللهم إنك عفو ... ) ، هذا ثناء على الله بالصفة التي تريد الباب منها، كأنك عندما تريد أن تطرق باب العفو عند الله، فإنك تثني عليه بهذه الصفة، فلا أقول: اللهم يا رزاق اعف عني، يا رحمان يا رحيم اعف عني؛ لأن هذه لها أبواب مستقلة، يا رحمان يا رحيم ارحمني، يا رزاق يا كريم ارزقني، يا هادي اهدني، فتكون هذه من بابها، فجئت إلى باب العفو وطرقته وأثنيت على الله بتلك الصفة التي تريد أثرها يصل إليك أنا عفو ماذا تريد؟ أريدك أن تعفو عني.
وإذا تأملنا هذا المطلب! فإن الإنسان في الدنيا والآخرة يريد المعافاة، والمعافاة: السلامة من الابتلاء، ويكون في عافية، والإنسان بماذا يبتلى؟ يبتلى إما في بدنه بالمرض، أو ولده وماله وزوجه بالفتنة، فإذا عوفي في بدنه فالحمد لله، وإذا عوفي في ولده بأن كان رضياً موفقاً مهدياً، وعوفي في زوجه: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن:14] ، وإذا عوفي في سلوكه مع الآخرين وفي كل أمور دنياه، فإذا جاء إلى الآخرة وحظي بعفو الله سبحانه كان مآله إلى الجنة، إذاً: هو في دنياه معافى من البلاء، وفي أخراه معافى من العذاب؛ فتكون قد جمعت له هذه الكلمة خيري الدنيا والآخرة.
وقد جاء في الحديث: (من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه) ؛ لأن الأمن في السرب أيضاً من المعافاة، معافى من اللصوص والاعتداء والظلم، (عنده قوت يومه وليله؛ فقد حيزت له الدنيا بحاذفيرها) ، وماذا في الدنيا أكثر من هذا؟ البدن متعافٍ، والقوت الذي يشبعه عنده، والمأوى موجود فهو آمن مطمئن، ولو بحث وراء ذلك من متعة لم يجد بعد ذلك شيئاً، فالدنيا كلها بين يديه بمتعها.