قال رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً) رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة.
] .
المتأمل في ترتيب هذا الكتاب المبارك يرى أنه كان من الأولى تأخير هذا الحديث إلى ما بعد عدة أحاديث؛ لأنه سيأتي بيان كيفية صلاة العاجز عن القيام، ومجمل ذلك إلى أن نصل إليه إن شاء الله.
تقول أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً) ، ولم تُعْلمنا هل كانت تلك الصلاة فريضة أو نافلة، ولكن إذا كان الخبر عن أم المؤمنين عائشة فإن تلك الصلاة تكون في البيت، والقرائن تدل على أن رؤيتها إياه صلى الله عليه وسلم في البيت، وصلاته في البيت هي نافلة.
إذاً: نحمل هذا الحديث على صلاة النافلة، وبإجماع المسلمين أن النافلة تصح من مؤديها قائماً وقاعداً، وجاء الحديث بأن: (صلاة القاعد على النصف -أي: في الأجر- من صلاة القائم) وهذا في النافلة بلا نزاع.
أما الفريضة فيجمعون على أن القيام ركن فيها: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] .
على هذا بقي الكلام في هيئة: (متربعاً) ؛ لأنه سيأتينا البحث فيما بعد عمن عجز عن الصلاة قائماً ماذا يفعل، وستأتي النصوص في بيان الهيئة والكيفية لصلاة المريض أو العاجز عن القيام، وهي عدة روايات وأحاديث مفصلة سيتم الكلام عندها إن شاء الله، لكن يهمنا صورة التربع في الصلاة.
أنت لو كنت قائماً منتصباً شاخصاً، أو نائماً متمدداً أيضاً كخط مستقيم، لو جلست كجلسة التشهد وأرجلك تشكل حرف (L) أو كما يقولون: زاوية، لكن إذا ثنيت الساقين أمامك، وجئت بمقياس؛ وجدت جلستك على هيئة تربيع؛ الطول بعرض الفخذ، والعرض بطول الساق، والظهر تجد الجلسة على شكل مربع، هات مقياس وقس من الأربع الجهات، ستجد أن المقياس متقارب، هذا هو الجلوس متربعاً، ولكن عند الفقهاء: أن هيئة التربيع أن تضع قدم الرجل اليمنى تحت فخذ اليسرى، ظهر القدم إلى الأرض، وبطن القدم تحت الفخذ، والساق اليسرى تجعل قدمها تحت الفخذ اليمنى، جاعلاً ظهر القدم إلى الأرض، وبطن القدم إلى الفخذ، هذه صورة الجالس المتربع.
أما حالة العاجز والمريض فكما أسلفنا سيأتي لها نصوص تبيّن حالة العاجز والمريض عن القيام كيف يصلي، ولا تسقط الصلاة بحال من الأحوال، ولو متكئاً على عصاً أو مستنداً على جدار على تفصيلات جزئية يذكرها العلماء في كتب الفقه، وعلماء الحديث في شرح الأحاديث الواردة، ولعلها تأتي بعد عدة أحاديث إن شاء الله.
وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (رأيت رسول الله) ، من نعم الإسلام، ومن النعم علينا أن يكن أمهات المؤمنين ينقلن لنا ما كان في داخل بيت النبوة، من كان سيراه داخل ذلك البيت؟ حتى أخص أصحابه ممن يصحبه في المسجد لن يراه، ولكن من فضل أمهات المؤمنين علينا أن يذكرن لنا هذا، كما قال الله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34] ، والحكمة هي: ما يتلقونه قولاً أو فعلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجح عندنا بالقرائن: أن هذه الصلاة التي رأته فيها عائشة إنما هي نافلة.