قال رحمه الله: [ونحوه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً عند الخمسة: (وكان يقول بعد التكبير: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ من همزه ونفخه ونفثه) ] .
المؤلف رحمه الله يريد بإيراد تلك الروايات أن يبين لنا بأن الأمر فيه سعة، كان يقول، وكان يقول، وما قال: إنه كان يجب أن يقول هذا كله، لا، فمما كان يقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله السميع العليم) ، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200] ، سميع حتى لوساوس الشيطان، عليم بما يكون منه، ولا يمكن أن ينجيك من الشيطان إلا رب العزة جل وعلا.
يقول والدنا الشيخ الأمين: بين لنا المولى كيف نتقي شيطان الإنس وشيطان الجن، وذلك في قوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:33-34] ، أي: عامل الناس بالتي هي أحسن، وادفع السيئة بالحسنة؛ فهي الحرز من شيطان الإنس، فإذا عاملته بالمعروف كفيت شره، وينقلب من عداوة إلى ولاية، {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] .
وبعض عشاق الأدب الغربي أو بعض الكتاب المشهورين يقولون: نراك تصانع أعداءك، قال: ألست بمصانعتهم كفيت شرهم؟ قالوا: بلى، قال: وهذا هو المطلوب، يعني: بدلاً من أن تدخل معه في حرب وتغلبه بالقوة، لكن بالمسالمة، {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ، وليست المسألة سهلة، وليس كل إنسان يقدر عليها: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] ، إلا ذو حظ عظيم أكرمه الله بذلك.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36] ، فهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله السميع العليم) ، {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} ، فإذاً: أنت كفيت عداوة شيطان الإنس بحسن المصانعة، بل وينقلب صديقاً لك، وكيف تتجنب أو تتقي عداوة الجن (الشيطان) ؟ لا تستطيع أن تصانعه، وليس عندك طريقة له، ولو أنك صانعته زاد عليك، ولكن تلجأ إلى ربك: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
وهذا كما يقول الشافعي رحمه الله: (ما من حديث سمعته إلا وله شاهد من كتاب الله) ، وهذا لا يستطيع أن يطبقه إلا مثل الشافعي، فيرد كل حديث سمعه من رسول الله إلى ما يدل عليه من كتاب الله، (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) ، هو نفس نص الآية: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36] .
وقوله: (من همزه ونفخه ونفثه) ، من همزه ونفخه ونفثه كل ذلك يدور حول الوسوسة والتشكيك، والنفث هو الإيذاء وكما يقولون: به مس من الشيطان، وكذلك نزعة الإنسان إلى الشر، كل هذا من أعمال الشيطان في كل مجالاتها ومعانيها.