شرح حديث: (سبحانك اللهم وبحمدك ... )

قال رحمه الله: وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّكَ، ولا إله غيرك) ، رواه مسلم بسند منقطع، ورواه الدارقطني موصولاً وموقوفاً] .

هذه صيغة أخرى من صيغ الاستفتاح، وهل كان يجمع الجميع، أو تارة يقول هذا وتارة يقول هذا؟ يتفقون على أن الصيغ كلها مشروعة، وإن أتيت بالبعض، أو الكل، أو اكتفيت برواية منها فإن ذلك جائز.

قوله: (سبحانك الله وبحمدك) ، مادة التسبيح كما في تتمة أضواء البيان عند أول سورة الحشر جاءت في القرآن بكل تصاريفها: (سبح لله، يسبح لله، سبح اسم ربك) صيغ الأفعال الثلاثة: الماضي والمضارع والأمر، وسبح الله نفسه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] ، وتسبح له الملائكة والرعد بحمده، ويسبح له الجماد: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] ، فالتسبيح عبادة جميع الكائنات، بل إن رب العزة قد سبح نفسه كما تقدم.

والتسبيح معناه عظيم جداً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) ، وعند مسلم: (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض) ، وهل ثواب كلمتين خفيفتين على اللسان تملآن ما بين السماء والأرض -ومسيرة ذلك خمسمائة عام- لمجرد أنها مرت على طرف اللسان: سبحان الله والحمد لله؟ بل لما تضمنته كلمة: (سبحان الله) من جليل المعاني، ويذكر علماء اللغة أن الحروف قوالب المعاني، بمعنى: أن الحروف تكوّن الكلمة، والمعنى في قالب، وكل معنى له قالب يناسبه، كما أن كلنا له ثوب يناسبه، فالألفاظ بالنسبة للمعاني كالثياب بالنسبة للإنسان.

يقول بعض فقهاء اللغة: كلما وجدت كلمتين متفقتين في أكثر الحروف فبينهما صلة وارتباط في أصل المادة، ويقولون: الأصل في وضع اللغة للمادي المحسوس، ثم ينتقل منه إلى المعنوي، فسبحان على وزن فعلان، والألف والنون زائدتان، وأصل المادة: (سَبَحَ) وإذا جئنا إلى المعنى المحسوس في (سَبَحَ) ؛ فإن سبح يسبح بمعنى الذي نزل إلى الماء ليسبح لئلا يغرق! فالسباحة وسيلة للنجاة، والسباحة وسيلة لعبور النهر، لذا قالوا: المعنى الذي في سبحان مأخوذ من أصل الوضع والترتيب للسباحة، فكما أن السابح في الماء بسباحته ينجو من هلاك الغرق، فمن يسبح الله ينجو من هلاك التشبيه ووصف الله تعالى بما لا يليق به، والسباح ينجو بنفسه، فكذلك المسبح لربه ينزهه عما لا يليق بجلاله، وكذلك السابح يصل إلى غايته، وكذلك من يسبح ربه يصل إلى مرضاة الله.

إذاً: (سبحان الله) تنفي عن الله كل ما لا يليق بجلال الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015