شرح روايات حديث المسيء صلاته

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

المؤلف رحمه الله أتى بروايات أخرى لحديث المسيء صلاته، فقال: [ولـ ابن ماجة بإسناد مسلم: (حتى تطمئن قائماً) .

ومثله في حديث رفاعة بن رافع عند أحمد وابن حبان: (حتى تطمئن قائماً) .

ولـ أحمد: (فأقم صلبك حتى ترجع العظام) ] .

أي: حتى ترجع العظام إلى مواقعها، فقد كان راكعاً والظهر معتدلاً، فإذا ما تحرك للرفع تحركت العظام؛ فيجب أن يظل قائماً حتى ترجع العظام إلى أماكنها مستقرة، لأنها مفاصل والمفاصل قابلة للحركة عدة درجات، فإذا اعتدل يجب أن يظل قائماً أو معتدلاً -على حسب الروايات- حتى ترجع العظام في أماكنها وفقراتها.

قال: [وللنسائي وأبي داود من حديث رفاعة بن رافع: (إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى) ] .

في الحديث المتقدم قضية وهي: أن رجلاً رآه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حالة لا تجزئ، ويحكى في بعض الروايات: (لو مت على ذلك لم ترح رائحة الجنة) ، وفي بعضها: (دخلت النار) ؛ ولهذا يقول العلماء: إن هذا الحديث أشد ما يكون تحذيراً من التراخي والتهاون في أداء الصلاة، والصلاة التي لا يتم ركوعها وسجودها تلف كما يلف الثوب الخرق ويرمى بها في وجه صاحبها، ولا تفتح لها أبواب السماء.

إذاً: يلزم كل إنسان في أداء صلاته أن يطبق هذا الحديث، وكله يدور على الطمأنينة، وقراءة ما تيسر من القرآن.

وفي رواية النسائي توجيه الخطاب للعموم: (إنها لا تتم صلاة أحدكم) ، وقوله: (أحدكم) ، تشمل الجميع بسبيل البدلية من الأحدية، أحد، أحد، أحد أحدكم: كل واحد منكم.

وقال: (حتى يسبغ الوضوء) ؛ لأن الوضوء هو مفتاح الصلاة، وعليه تنبني، فإذا كان الوضوء غير سليم بأن كان الماء متنجساً، أو مغصوباً -كما عند الحنابلة- أو كان الغسل غير سابغ للأعضاء -كما عند الجمهور- فليس هناك فائدة من صلاته حتى يسبغ الوضوء.

وقوله: (حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى) ، بم أمره الله؟ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ، وهذا الحديث نص صريح في قضية يتنازع فيها العلماء: هل الترتيب شرط في صحة الوضوء أم لا؟ الشافعي يرى أن الترتيب واجب، وأخذ ذلك من إدخال الممسوح بين مغسولين في الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] ، فـ الشافعي قال: إذا كانت المسألة ليس فيها ترتيب كان سيجعل الممسوح على حدة بعد أن يكمل المغسولات؛ وذكر غسل الرجلين أنسب مع اليدين، ثم يذكر مسح الرأس، أو يقدم مسح الرأس مع الوجه؛ لأنه أقرب إلى الوجه، ثم يأتي باليدين وينزل إلى الرجلين، فلما أدخل مسح الرأس بين اليدين والقدمين وهما مغسولان وجب أن نضع المسح في مكانه، ومن هنا وجب الترتيب.

وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى) ، وبماذا أمر الله؟ وجوهكم، وأيديكم، ورءوسكم وأقدامكم، إذاً: من غير هذا الترتيب لم يتوضأ كما أمره الله، ولا حاجة إلى ذكر ما روي عن علي على خلاف: (لا أبالي إن غسلت قدمي قبل أو وجهي قبل) ، ولو صح هذا ونقل فيكون شاذاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ما توضأ إلا كما أمره الله، يبدأ بالوجه ويختم بالقدمين.

(ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويثني عليه) ، ثم يكبر الله تعالى ويحمده بقوله: الحمد لله، ويثني عليه، والثناء هو مدح المثنى عليه، ويقولون: هناك فرق بين الحمد والثناء، وبعض العلماء يفسر الحمد لغة بالثناء، لكن الحمد شيء، والثناء شيء آخر، فالحمد هو: ثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، أما الثناء على المحمود أو على المثنى عليه فلحسن صنيع صدر منه، ولو لم يصل إليك، والشكر: ثناء عليه في مقابل نعمة أسداها إليك، فتحمد وثني وتشكر.

فالحمد لا يكون مطلقاً إلا لله، ولذا يقولون: (ال) في قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة:2] للاستغراق، فقد استغرقت جميع المحامد لله؛ لكمال ذاته وصفاته، ولو لم يصل إلى الخلق منه شيء، فهو في ذاته كامل الذات والصفات، فكان الحمد كله إليه.

أما الثناء في اللغة فهو لحسن صنيع ممن يثنى عليه ولو كان غير مسلم، مثلاً: سمعت بطبيب ماهر عالج المرض الفلاني، أو اخترع الدواء الفلاني، ونفع الله به الخلق، وهو غير مسلم، هل تثني عليه أم تسبه؟ لاشك أنك تثني عليه؛ لأنه صنع صنيعاً حسناً، سواء كان مسلماً أم كافراً.

إنسان صنع لك معروفاً وأوصله إليك فعلاً، ضاع ولدك مثلاً وأتاك به، سقط منك شيء مهم وجاء إليك به، دفع عنك ضراً، ولو كان غير مسلم تشكره على هذا الصنيع أم تجحده؟ تشكره.

طبيب يهودي أو نصراني، وعندك مرض خطير، وليس في العالم أحد يعالج هذا النوع من المرض إلا هذا الطبيب، وهو على دينه الذي هو عليه، فعالجك، وأجرى الله لك الشفاء في علاجك على يديه، هل تذكره بالخير أم بالسوء؟ تذكره بالخير، وتدعو الله له بالإسلام.

إذاً: الحمد والثناء والشكر كلها أعمال في مقابل، فالحمد المقابل لكمال الذات والصفات، والثناء لإحسان وإجادة فعل، والشكر لمن أسدى إليك معروفاً وصل إليك عنه، فاحمد الله واثن عليه، وهل المراد بهذا في الفاتحة؟ الفاتحة فيها حمد وثناء لأنك تقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] ، وكل هذا ثناء على الله.

وقوله: (وإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره) ، هذا التفسير في رواية النسائي: (إن كان معك قرآن) ، وقرآن يشمل ما بين دفة المصحف الأولى إلى دفته الأخيرة، من فاتحة الكتاب إلى سورة الناس، معك شيء من هذا القرآن ولو آية اقرأ بها، ولو لم يكن معك شيء من القرآن؛ فيجزئك أن تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتذكر الله بالتسبيح والتحميد إلى أن تحفظ الفاتحة.

ولـ أبي داود: (ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شاء الله) ، اقرأ بأم الكتاب إن كنت تحفظها، وإن كانت معك، وليس هناك معارضة مع ما قبلها: (إن كان معك من القرآن) ، والفاتحة إن كان يحفظها فهي من القرآن.

ولـ ابن حبان: (ثم بما شئت) ، ثم بما شئت بعد الفاتحة من آية أو سورة صغيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015