وهنا مسألة قد يثيرها بعض العلماء، تجدونها في مبحث الاعتكاف، وهي إذا لم يكن للمعتكف رأس مال، وإنما يعيش من صنعته، أو بيعه وشرائه، فهل يجوز له -وهو معتكف- أن يزاول مهنة البيع والشراء، أو يخرج إلى الخارج ويبيع ويشتري ثم يأتي إلى مسجده، أو إلى معتكفه؟ فبعضهم يقول: لا مانع إذا كان في طرف من المسجد.
والجمهور يقولون: لا؛ لأن الحديث لم يفصل.
فإذا كان صاحب صنعة لا يبيع ولا يشتري، ومنها عيشه، ويمكن أن يجمع بين الأمرين حاجته في معيشته، وعبادته في اعتكافه، فبعضهم -كالأحناف أو غيرهم- قالوا: يجوز له إن لم تكن صنعته تقذر المسجد، أو تضيق على الناس، ومثلوا بنسخ الكتب، إذ نعلم جميعاً أنه لم تكن في السابق مطابع، ولكن كانوا يعولون على نسخ الكتاب بأيديهم، فإذا كان الشخص وراقاً، ومشهوراً بخطه، وبكتابته للكتب، واعتكف يكون في معتكفه، وعنده حبره وقلمه وأوراقه، فله أن ينسخ وهو في محله، فإنه لا يقذر المسجد، ولا يضيق على المصلين، ولا يشوش عليهم، فمثل هذا قالوا: لا مانع في حقه؛ لأنه يجمع بين الحسنيين، ولا يضر، ولا يترتب عليه أذى.
وبعضهم قال: هذه الصناعة تابعة للبيع والشراء؛ لأنه يبيع خبرته في كتابته لمن يكتب له.
ويقال: إن كان ذا ضرورة، وليست له مهنة، فلا ينبغي أن يحرم، ما دام يؤدي هذا العمل بعيداً عن التشويش على الناس، ونحن الآن، لو وجدنا طالب علم، جالساً في جانب، أو عند سارية، وعنده مخطوطة يريد أن ينسخ منها، أو ينقل منها فلا غبار في ذلك.
فهذا ما يتعلق بمسألة النهي عن البيع والشراء في المسجد، فعلى كل من سمع أو رأى من يبيع أو يبتاع في المسجد: أن يجابهه بهذه الكلمة (لا أربح الله تجارتك) ؛ لينزجر عن ذلك.
والله تعالى أعلم.