هنا بحث للمتقدمين والمتأخرين في مسألة مهمة جداً، وهي قديمة متجددة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة) كان قبل الزيادات التي زادها غيره صلى الله عليه وسلم من بعده، وأول الزيادات زيادة عمر، ولها قصة طويلة.
فإنه لما أراد عمر أن يزيد في المسجد ندب الناس، وقال: لقد ضاق المسجد بالمصلين، ونريد أن نوسع في المسجد للناس، فجاء إلى العباس، وكانت بيوت العباس في جهة الغرب، وكذلك خالد بن الوليد، وكانت ديار آل عمر في القبلة، وبقايا حجرة حفصة رضي الله تعالى عنها مقابلة لحجرة عائشة، وكانتا تتبادلان الحديث من كوة -أي: من طاقة- في الجدار، وتتناولان الحاجة بأيديهما لقرب ما بينهما.
ولما توفي عمر رضي الله عنه اشترى أمير المدينة الأول لبني أمية دار عمر، وجعلها سكناً له، ثم رأى المؤذن ينظر إلى بيته فترك السكنى، وجعلها دار الإمارة، ثم جعلها دار القضاء، وكانت في محل المحكمة الأولى بجانب مكتبة المدينة، وهي المكتبة التي كانت في القبلة.
فأول من زاد في المسجد عمر رضي الله تعالى عنه، فزاد من القبلة ومن الغرب، ولما أراد الزيادة من الغرب كانت هناك دور للعباس، فأتاه وقال: نريد بيتك نوسع به المسجد.
قال: لا.
وقال: لابد؛ لأن المسجد فيه الحجرات، ولا يمكن أن نمسها، ولابد أن نتوسع إلى الغرب.
فامتنع عليه، وقال: ألأنك أمير المؤمنين تغصبني؟! قال: لا أغصبك، واختر من نحتكم إليه.
فاختار أُبي بن كعب، فذهبا إليه، فقال: هلم يا أمير المؤمنين.
قال: ما جئتك أميراً للمؤمنين، جئتك متقاضياً مع العباس، فقال: ما أمرك؟ قال: كذا وكذا وكذا.
وذكر له أنه قال للعباس: أعطني بيتك، أقطعك أرضاً أو أبني لك بيتاً، أو أعطيك من بيت المال ما يرضيك.
فامتنع العباس عن كل ذلك، فقال له أُبي: ألا أخبرك؟ وذكر له قصة داود عليه السلام في بناء بيت المقدس ومساومته للرجل، فقال عمر: والله ما أردته لنفسي، وإنما أردته للمسلمين، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر التوسعة ما فكرت في توسعته.
فلما خرجوا قال له العباس: يا عمر! أنتهيت؟ قال: نعم.
قال: ألك عندي شيء؟ قال: ليس لي عندك شيء.
قال: البيت لوجه الله، وأدخله عمر ووسع فيه.
وحينما وسع عمر المسجد وأدخل فيه دار العباس، وجزءاً من جهة القبلة في حدود بيت عمر، رأى عمر بعض الناس يتجنب الصلاة في تلك الزيادة، فوقف خطيباً وقال: إني لأرى كذا وكذا وكذا، ووالله إنه لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: الشامل لتلك الزيادة-، وهي ضمن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة) ، إنه لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو امتد إلى ذي الحليفة -وفي بعض الروايات: إلى صنعاء-، وليس بمعقول أن المسجد سيمتد إلى صنعاء، ولكن من باب المبالغة والتأكيد.
ومن هنا علمنا أن كل زيادة أضيفت إلى المسجد النبوي في أي زمان كان فإن المسجد النبوي يتناولها، وفضيلة المسجد من أول ما بني تشملها، وهي الأجر بألف صلاة.