قال رحمه الله تعالى: [وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم] .
هذا من بيان شروط الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا وقع فيها كلام الناس، ويراد بكلام الناس الكلام الذي منشأه من الناس، وإلا فالناس يتكلمون بالتسبيح والتكبير وغير ذلك مما أصله من التشريع، بأن يكون نصاً قرآنياً، أو حديثاً نبوياً، فإذا قرأ الإنسان القرآن فهذا كلامه، والأصل فيه أنه كلام المولى سبحانه، وهذه قضية عقدية لها مكانها.
ونعلم جميعاً أنه إذا قال إنسان: (اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم) فهذا ليس من كلام الناس؛ لأن الله أمر بأن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الصيغ فالأولى أن يتحرى الإنسان الصيغ الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أنواع الصلاة الإبراهيمية في تشهد الصلاة.
فكلام الناس هو ما أنشأه الناس من عندهم، وإذا جئنا إلى بعض المواطن نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد المصلي في سجوده أن يجتهد في الدعاء، فقال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) ، فالدعاء قد يكون من كتاب أو سنة، وقد يكون من كلام الإنسان يسأل الله حاجة له خاصة، فيقول: اللهم! اشف ولدي اللهم! نجح ولدي، اللهم! رد علي غائبي بخير.
فهذا كلام الإنسان في مصلحته الشخصية، وعموم الدعاء مطلوب ومشروع، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى ورغب الإنسان أن يدعو الله في السجود.
قال بعض العلماء: يجوز أن تدعو الله بما ورد في الكتاب على تأويل الدعاء، لا على تأويل التلاوة، فتقول -مثلاً-: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ... ) ، (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك وإني من المسلمين) .
فهذه ألفاظ دعوات يأخذها الإنسان من الكتاب، ويتكلم بها لا على أنها تلاوة، ولكن على أنها دعاء وطلب.
ولهذا فإن الجنب والحائض إذا أتيا بهذه الألفاظ من الأدعية من الكتاب وهما لا يريدان تلاوة، وإنما يريدان التعبد بالدعاء بهذه الألفاظ فلا مانع، وإن كان الجنب والحائض يمنعان من تلاوة القرآن، كما قال علي رضي الله تعالى عنه: (لا، ولا حرفاً واحداً) .
فكلام الناس المراد به ما عدا ما شرعه النبي عليه صلى الله عليه وسلم من التسبيح والتحميد والتكبير؛ لأن المصلي يحمد الله، سواءٌ كان في الفاتحة، أم عند الرفع من الركوع، والتسبيح يكون في الركوع وفي السجود، وهذا من كلامه، فيسبح الله ويحمد الله.
والمنهي عنه في الصلاة هو ما يبينه الحديث الذي يأتي بعده: (يكلم أحدنا صاحبه في حاجته) ، كأن يقول: أين كنت أمس؟! وكيف حال المريض الذي كان عندكم؟! وما هو السعر اليوم في السوق؟ وهل فلان أتى أم لم يأت؟ فكلام الناس هذا الذي في مصلحة الناس لا دخل له في العبادة، ولا يجوز في الصلاة.
وقد كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير ... ) إلخ.