يقول بعض العلماء: هذا الحديث فيه إشكال، وهو: كيف تكون الصلاة -وهي فرع عن الإيمان- أفضل الأعمال، وكان ينبغي أن يكون الإيمان أفضل الأعمال؛ لأنه الأساس؟ الجواب: لا حاجة إلى هذا الإشكال، فقد جاء الحديث الصريح أن رجلاً قال: (يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: إيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: الصلاة على أول وقتها) ، وسأله رجل آخر عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: (إيمان بالله، قيل: ثم ماذا؟ قال: بر الوالدين) ، وسأله آخر أيضاً فقال: (إيمان بالله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله) ، لكن يرى بعض العلماء أن في هذا شبه تعارض، فالسؤال واحد والجواب مختلف! ولكن أجاب ابن دقيق العيد وغيره عن هذا فقال: ليس هناك اختلاف، وليس هناك تعارض، بل هذا مراعاة لحال السائل وما يصلح له، فرأى رجلاً لا يستطيع أن يكابد الجهاد، فهو ضعيف البنية، فلما سأل عن أفضل الأعمال أرشده لما يصلح له، فقال: (إيمان بالله ثم الصلاة على وقتها) ؛ لأنه مهما كان ضعيفاً، فإنه لا يعجز أن يصلي الصلوات على أول وقتها.
ولما سأله الثاني وعرف أن له أبوين قال له: (إيمان بالله، ثم بر الوالدين) ، وليس المعنى: بر الوالدين مع ضياع الصلاة، فالصلاة كتاب موقوت، والصلاة أمرها معلوم من الدين بالضرورة، فالمعنى: أنه بعد الصلاة وبعد أداء الواجبات المفروضة فإن بر الوالدين من أفضل الأعمال، ولما رأى الثالث قوياً جلداً أرشده إلى أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله وهو الجهاد في سبيل الله؛ لأن حالته تناسب ذلك.
وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع بعض أصحابه، فمر فتىً شاب قوي فقال رجل: (لو كان جلد هذا وشبابه في سبيل الله! فقال صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى ليعف نفسه فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على زوجه وعلى أهله وأبويه فهو في سبيل الله ... ) إلى آخر الحديث، والشاهد: أن الناس يرون الجهاد أنسب للأقوياء.