وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً) .
بين صلى الله عليه وسلم أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة مع الاغتسال عن الحيضة في نهاية مدتها، وبعد ذلك تتوضأ لكل صلاة، فتغتسل غسلاً واحداً -كما في رواية عائشة - في نهاية الحيضة عند انقطاع اللون الأسود، وبعد ذلك تتوضأ لكل صلاة ولو لم تحدث حدثاً آخر، ولو لم يخرج من السبيلين شيء، لا ريح ولا بول، فلا موجب للوضوء غير دم الاستحاضة، فأرشدها صلى الله عليه وسلم أن تتوضأ لكل صلاة، وهل هذا الوضوء يقطع الدم؟ لا، لكن هذا الوضوء للضرورة؛ لأن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، فهي تتوضأ، وبعد أن تتوضأ يخرج الدم، وقد أمرها صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي- أن تستثفر وتضع الكرسف، أي: القطن، حتى لا ينزل الدم على ثيابها، وعلى جسمها، وعلى الأرض التي تصلي عليها، فعندما تستثفر سيخرج الدم، وسينتهي إلى ما تجعله من قطن أو قماش، ولا يسقط على الأرض، فلما كان الدم سيخرج، فالأصل عدم بقاء الطهارة مع خروج الدم كخروج البول والريح، ولكن تتوضأ للضرورة، فما دامت الطهارة ضرورية فلا ينبغي أن تتوضأ قبل دخول الوقت، وإذا توضأت فتصلي الصلاة التي توضأت لها، وتصلي كذلك النوافل، وتفعل ما يفعله غير الحائض؛ لأنها طهرت بانقطاع الدم الأسود، وبعد الغسل الأول تتوضأ لكل صلاة، ولو لم ينتقض الوضوء بناقض آخر.
قال عليه الصلاة والسلام: (ولتجلس في مركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر، غسلاً واحداً) .
إذا رأت الصفرة أي: انتهت الحيضة وجاءت الاستحاضة، وعلامتها: رؤية صفرة فوق الماء الذي في المركن الذي جلست فيه، وهذا نوع من العلاج يساعد على عدم تركز الدم في المهبل أو في محله، ويساعد على إخراجه إلى الخارج.
قال عليه الصلاة والسلام: (فلتغتسل للظهر والعصر جميعاً، وتغتسل للمغرب والعشاء جميعاً، ولتغتسل للصبح غسلاً آخر) ، بينما في حديث عائشة ذكر بعد اغتسالها من الحيضة أنها تتوضأ لكل صلاة، وفي حديث أسماء أنها تجمع بين كل صلاتين بغسل، وهل تقدم المتأخرة مع المتقدمة أم تأخر المتقدمة مع المتأخرة؟ أي: هل تجمع جمع تقديم أم جمع تأخير؟ لم يبين لنا في هذا الحديث كيف تجمع بين الصلاتين بهذا الغسل، فهل تغتسل للظهر والعصر، وتغتسل للمغرب والعشاء؛ في وقت إحداهما على اختيارها، كالمسافر إن شاء جمع جمع تأخير، وإن شاء جمع جمع تقديم؟ لا، فسيأتي لنا النص بأن هذا الجمع جمع صوري، بأن تؤخر الظهر إلى آخر وقتها، فتصلي الظهر في آخر الوقت، فيدخل وقت العصر فتصليه في أول الوقت، فتكون اغتسلت للصلاتين، وصلت كل صلاة في وقتها، إلا أن الصلاة الأولى كانت في آخر وقتها، والصلاة الثانية في أول وقتها، فتكون جمعت بين الصلاتين في الصورة، ولكن في الحقيقة فإن كل صلاة وقعت في وقتها.
إذاً: تغتسل للظهر والعصر معاً، وتغتسل للمغرب والعشاء معاً، وتغتسل للصبح، ولم يبين هنا كيفية اغتسالها للصلاتين، وسيأتي النص في بيان ذلك.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وتتوضأ فيما بين ذلك) .
أي: تتوضأ فيما بين ذلك لتلاوة القرآن، وللطواف، ولصلاة نوافل، ولما يحتاجه العمل الديني من طهارة.