قال علي رضي الله عنه: (فأمرني -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم- أن مسح على الجبيرة) ، فإذا كان في حدث أصغر فإنه يغسل أعضاء الوضوء ما عدا الموضع الذي عليه الجبيرة فإنه يمسحه مسحاً فقط، والمسح على الجبيرة يبحث فيه من الجهات الآتية: أولاً: هل يشترط أن يكون وضع الجبيرة وهو على طهارة من الحدث -كما في لبس الخفين، أم لا يشترط؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخفين: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) ، فمسح على الخف، إلا أن الخف مؤقت بيوم وليلة أو ثلاثة أيام، أما الجبيرة فيمسح عليها مدة وجودها.
فبعض العلماء يقول: إن كان وضع الجبيرة على طهارة هذا العضو من الحدث فإنه يمسح ولا إعادة عليه، وإن كان وضعها على العضو وهو محدث فهو مطالب بغسل العضو، ولكنه قد تعذر الغسل، والمسح إنما هو لاستباحة الصلاة، فيعيد الصلاة، ثم ينظر مرة أخرى إلى الجبيرة هل هي موضوعة للجرح أو للكسر حينما وضعها، وهل أخذت من السليم أكثر ما يمكن أن تمسك به أم لا؟ لنفرض مثلاً: أن طول الكسر (5سم) ، فوضع جبيرة تحتاج إلى زيادة (3سم) من طرف، وإلى (3سم) من الطرف الآخر لتثبت على محل الجرح، فأصبح طولها بمجموعها (11سم) للإمساك، لكن الذي وضع الجبيرة -على الكسر (5سم) - جعل طرفها من جهة يستغرق (10سم) في السليم، ومن الجهة الثانية يستغرق (10سم) من السليم، فزاد واستغرق من السليم (7سم) من كل طرف، فإذا مسح فيكون قد مسح زيادة على محل الكسر.
وهناك من يقول: إن زاد في الجبيرة على قدر ما يمسكها على الصحيح فهو متعدٍ، ويكون قد مسح على ما لا يحق له المسح عليه لسلامته، فكان عليه أن يغسل الزائد عن قدر ما يمسك الجبيرة، فإذا أزيلت الجبيرة فعليه أن يعيد الصلاة، وتكلموا في ذلك كلاماً كثيراً.
ولكن إذا نظرنا إلى عموم قوله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] فإذا مكثت الجبيرة -كما يحصل في بعض الأحيان- شهراً أو شهرين فإن أمره بأعادة الصلوات لهذه المدة فيه مشقة، وأيضاً عندما يريد أن يضع الجبيرة على الكسر هل يقال له: اذهب فتوضأ ثم ائت نضع الجبيرة؟ مع أنه في حالة يحتاج فيها إلى المبادرة بالعلاج.
إذاً: الرسول صلى الله عليه سلم لم يستفسر من علي عن حالة الجبيرة على كسر زنده، لم يقل له: هل كنت متوضئاً أم لا؟ ولم يقل له: هل استغرقت من السليم أكثر من الحاجة أم لا؟ بل إنه رأى جبيرة وضعت على كسر فأمره أن يمسح عليها.