الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته) رواه البزار، وصححه ابن القطان، لكن صوّب الدارقطني إرساله، وللترمذي عن أبي ذر نحوه وصححه] .
بعد ذكر المؤلف بيان مشروعية التيمم في قوله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً) ، وبيان نوعية ما يتيمم به في قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت تربتها لنا طهوراً) ، وبيان الكيفية وهي ضربة أو ضربتان إلى الكفين أو المرفقين، أتى هنا إلى التوقيت في التيمم، وهل التيمم مؤقت بوقت، أو أنه مطلق الزمان؟ فقد وجدنا توقيت المسح على الخفين بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، فجاء المؤلف رحمه الله بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد) ، ولم: يقل التراب ولا التربة على عموم ما تقدم.
(طهور المسلم) ، كلمة (طهور) جاءت في قوله تعالى: {مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:48] ، وهي وصف للماء الذي يتطهر به، فالصعيد طهور المسلم، ولذلك قالوا: إن التيمم طهور كطهور الماء، ولفظ (المسلم) هنا للأغلبية، فإذا كانت أسرة أو عائلة أو جماعة ولم يجدوا الماء فالتيمم للمرأة وللرجل سواء.
وأصل الحديث أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هلك أبو ذر يا رسول الله! قال: وما أهلكك؟! قال: كنت أكون في الخلاء ومعي أهلي وتصيبنا الجنابة وليس عندي ماء، فقال له صلى الله عليه وسلم: الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) ، وهنا إلى أسلوب المبالغة، فهل سيعيش الإنسان في فلاة لا يجد الماء عشر سنين؟! وإذاً كيف تكون حالته وحياته؟! لابد أنه سيقيم في مكان لا ماء فيه عشر سنين ويتيمم للجنابة وللحدث، أو يكون الماء قليلاً لا يكفي إلا لطعامه وشرابه؛ لأنه من المتفق عليه أنه إذا كان الإنسان في الخلاء وليس معه من الماء ما يكفي إلا لشرابه، وطهي طعامه، ولدابته التي يركبها ليسقيها، ولم يزد على ذلك؛ وفّر الماء لشرابه، ولإنضاج طعامه، ولعجينه ولدابته وتيمم، ويعتبر فاقد الماء؛ لأنه ليس عنده ماء زائد عن حاجته، فإذا كان عنده ماء زائد عن حاجته، وحاجة كل حيوان محترم معه، فله أن يوفر الماء للحيوان؛ لأنه سوف يموت إذا لم يشرب، ولنفسه من باب أولى في مصالحه: في الشراب، والقهوة، والطعام، والعجين، وإذا لم يزد عن ذلك شيء تيمم ووفر الماء للضروريات تلك.
فهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (الصعيد طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين) (لو) هنا حرف امتناع لامتناع (لم يجد الماء عشر سنين) هذا هو أقصى ما يمكن أن يتصوره إنسان أنه لن يجد الماء في تلك المدة، فإذا كان لأسبوع أو لشهر أو لشهرين فمن باب أولى أنه لا مانع في ذلك.
إذاً: لا توقيت في استعمال التيمم ما دام أنه على ما وصف الله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43] ، وكما أجمع العلماء: أن من كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء فإنه له أن يتيمم.
إذاً: إن عدم الماء أو عدمت الاستطاعة على استعمال الماء وكان موجوداً؛ فإنه حينئذٍ يعمد إلى التيمم، وإلى متى؟ لا تحديد في ذلك ما دام مريضاً لا يستطيع استعمال الماء، وما دام على غير ماء لم يجده، فإنه يستعمل التيمم دون تحديد بزمن، لا يوم وليلة، ولا ثلاثة أيام، ولا شهر ولا شهران، ولا غير ذلك.