قال رحمه الله: [وعنها رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة) متفق عليه.
وزاد ابن حبان (وتلتقي أيدينا) .
] عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد - وفي بعض الروايات: من الجنابة -وتختلف أيدينا فيه) أي: في هذا الإناء، والحديث له تتمة تتعلق بفك ظفر الشعر، وقولها في نفس هذا الحديث: (وإني أشد شعر رأسي وأغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، تختلف فيه أيدينا، ولا أزيد ثلاث حفنات على شعري) ، وكأنها تقول: ولا أنقض شعري ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراني، وهذا الحديث قالته جواباً على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فقد بلغها أن ابن عمر كان يأمر النساء أن ينقضن ظفائر شعورهن في غسل الجنابة وغسل الحيض، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن! يأمر النسوة أن ينقضن شعرهن عند الغسل، أفلا يأمرهن بحلق رءوسهن؟! وهذا نوع من التأنيب على الفتوى على غير ما يراه الإنسان، ثم جاءت بالخبر وقالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد -يعني: وهو يراها- وكنت أشد شعري، ولا أزيد على أن أصب على رأسي ثلاث حثيات) فذكرت شد شعرها، وأنها لا تزيد على ثلاث حثيات، وذكرت أنها تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ومقتضى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز ذلك العمل لها، وهو غسلها ظافرة شعرها ولم تنقضه، واكتفاؤها بثلاث حثيات.
إذاً: أتانا أثر عن عائشة رضي الله عنها في عدم نقض الشعر المظفر، ووجدنا أثراً لـ ابن عمر أنه كان يأمر النسوة أن ينقضن شعر رءوسهن، فوجدنا القولين مختلفين، فبأيهما نأخذ؟ جاء عنه صلى الله عليه وسلم -في بعض الروايات- أنه أمر النسوة أن ينقضن شعرهن لغسل الحيضة، وقد جمع صاحب المنتقى فيه آثاراً كثيرة، وكذلك ابن عبد البر في الاستذكار أورد آثاراً عديدة، والجمهور يفرقون بين غسل الجنابة وغسل المرأة من الحيضة، فيوجبون نقض شعرها من غسل الحيضة دون غسل الجنابة، وأما الإمام مالك رحمه الله فقال: ننظر إن كان شد الشعر شديداً يمنع وصول الماء إليه فتفكه، وإن كان شد شعر الرأس ليناً يسمح بوصول الماء فلا حاجة إلى نقضه.