قال رحمه الله: [عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء، وهو معلول) ] .
من أحكام الجنابة: إذا أجنب الرجل فهل ينام وهو جنب؟ وهل يأكل وهو جنب؟ وهل يشرب وهو جنب؟ كل هذه الأمور جاءت فيها النصوص، وبدأ المؤلف بموضوع النوم الذي ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء) ، وجاءت أحاديث أخرى كحديث عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل: (أينام الجنب قبل أن يغتسل يا رسول الله؟! قال: نعم، إذا توضأ) ، وهنا: (من غير أن يمس ماء) ، قال بعض العلماء: ماءً هنا عام؛ ماء الغسل أم ماء الوضوء؟ فالجمهور على إطلاق الماء لا لوضوء ولا لغسل، والآخرون قالوا: لا، لو لم تأت الأحاديث الأخرى لكان الحمل على الإطلاق واقع، ولكن جاءت أحاديث أخرى (نعم إن هو توضأ) ، وجاء في حديث عائشة: (وكان جنباً يتوضأ وينام يتوضأ ويأكل) ، فإذا أثبتت الوضوء، والوضوء مس ماء، ثم نفت الماء؛ فيكون الماء المنفي هو ماء الغسل، ويكون ماء الوضوء ثابتاً بحديث عائشة نفسها، وبحديث ابن عمر وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أباح للجنب أن ينام قبل أن يغتسل إذا هو توضأ.
وجاء عند ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهذا يذكره السيوطي في تعليقه على موطأ مالك - سئل: (أينام الجنب يا رسول الله؟! قال: نعم إن هو توضأ، فإني أخشى أن يموت في تلك الليلة وهو جنب فلا يحضره جبريل) ، فبين صلى الله عليه وسلم العلة في وضوئه عند نومه، وهنا قالوا: ما الغرض من الوضوء، فالوضوء لا يرفع حدثاً ولا جنابة؟ قالوا: أولاً: مع الوضوء غسل الفرج، وهذه النقطة الأساسية الحساسة.
ثانياً: إذا توضأ فهو بين أحد أمرين: إما أنه بوضوئه خفف حكم الجنابة، أو إنه إذا لامس الماء وباشر الماء وتوضأ، فلعل ذلك يدفعه إلى الغسل، فيكون الوضوء مقدمة وتنشيطا لما هو المطلوب من أن يغتسل.
يهمنا في هذه الجزئية: أن الجنب ممنوع من تلاوة القرآن، ومن حمل القرآن، ومن الطواف, وهنا هل تمنعه الجنابة من النوم؟ بين صلى الله عليه وسلم أنها لا تمنعه، ولكن قال: (إن توضأ) .
وهل الوضوء من الجنابة واجب كالوجوب للصلاة أم أنه من باب الإرشاد والتوجيه؟ رواية ابن ماجة: (أخشى أن يموت فلا يحضره جبريل) تدل أن الأمر هنا من باب الإرشاد وبيان الأفضلية، ومن الذي لا يريد أن يحضره جبريل عند الوفاة؟ كل إنسان يرجو ذلك.
إذاً: الأولى أن ينام الجنب بعد أن يتوضأ، فإذا توضأ فلعله يخطو خطوة أخرى وينشط ويغتسل وينتهي الأمر.