باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ثم أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً) رواه مسلم، زاد الحاكم: (فإنه أنشط للعود) ] .
لا زلنا فيما يتعلق بالجنب من الأحكام، ومنها إذا أتى الرجل أهله -وهذا كناية عن الجماع- ثم أراد أن يعود في تلك الليلة إلى أهله، وهذه أمور شخصية تعود إلى ذات الإنسان نفسه وإمكانياته، فهل له أن يعود دون أن يحدث غسلاً أو وضوءاً مكانه؟ هنا الحديث يقول: (إذا أتى أحدكم أهله وأراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً) ، وهذا النص أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أتى أهله، ثم وجد في نفسه رغبة للعودة مرة أخرى، ألا يعود مباشرة بل يتوضأ ثم يعود، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فليتوضأ بينهما) إلى هنا كان يكفي في التشريع، ولكن قال: (وضوءاً) ، وعلة ذلك كما يقول العلماء: تأكيد بالمصدر لينفي المجاز، ويدل على حقيقة الماهية، كما جاء في قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] أي: ليبين أن الله كلم موسى كلاماً حقيقياً، وليس من باب المجاز، كأن يكون نفث في روعه، فقوله: (فليتوضأ بينهما وضوءاً) يؤكد أن المقصود هو الوضوء الشرعي المعروف، وجاء في بعض الألفاظ: (وضوءه للصلاة) ، فيكون هذا التصريح صارفاً المعنى اللغوي وهو غسل اليدين والوجه إلى المعنى الشرعي الذي يبدأ بغسل اليدين وينتهي بغسل القدمين وقبل ذلك غسل الفرج.
وقد نبه كثير من الأطباء على ضرورة غسل الفرج بعد المباشرة؛ لأن في الفرج رطوبة، ويخرج من الرجل ماء، فإذا ترك ذلك وجف على المحل فإنه قد يؤلم ويضر، وأقل شيء يبقى في الجلد فيسبب حساسية أو حرارة أو شيئاً من هذا، فإذا أتى أهله ولو لم يرد أن يعود فليغسل فرجه، ثم جاءت الزيادة على هذا الحديث مبينة الحكمة من وراء هذا الوضوء والثمرة منه، لأن هذا الوضوء لا يرفع حدثاً ولا يبيح صلاة؛ ولذا من ألغاز الفقهاء: ما هو الوضوء الذي لا ينقضه إلا الجنابة؟ هو هذا الوضوء إذا أراد أن يعود، فإذا عاد وأراد أن يعود مرة ثالثة فليتوضأ أيضاً بينهما وضوءاً، والجنابة في العود الثاني قد نقضت ذلك الوضوء، فهذا الوضوء لا يرفع حدثاً ولا يبيح صلاة، ولكنه لأي شيء؟ قالوا: أولاً: للنظافة، وثانياً: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه أنشط للعود) يا سبحان الله! إلى هذا الحد يرشد النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الشخصية، وهذه -يا إخوان- أخطر ما يكون في الحياة الزوجية؛ لأن من أتى أهله وليس عنده نشاط، فلربما تتراخى قوى الرابطة الزوجية، وكم من مشاكل تحصل بسبب ذلك؛ ولذا في مسألة العنين ذكر العلماء أنه يمهل سنة، حتى تمر عليه فصول السنة الأربعة، فإن كان متأثراً من الحرارة، تأتي البرودة في الشتاء، وإن كان متأثرا من البرودة تأتي الحرارة في الصيف، وهكذا، فإذا مرت عليه السنة بفصولها الأربعة وعجز في الوصول إلى أهله فحينئذ يعتبر عنيناً، وللزوجة حق المطالبة بالفراق، والمهلة بعد أن ترفع أمرها للقضاء، والقاضي هو الذي يمهله تلك المهلة، وقد تختلف الأمور، ويكون للقاضي وجهة نظر، فيجعل المدة أقل أو أكثر.