يقول بعض العلماء: إن عثمان لم يأت بجديد، ولكن كرر صورة أصلها ثابت عن رسول الله، وذلك ما وقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجود أذانين للصبح، وقوله: (إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم) ، فكان بلال يؤذن قبل الوقت، وبين صلى الله عليه وسلم علة ذلك: (ليرجع القائم، ويتسحر الصائم) ، فعندما يسمع أذان بلال يعلم أن الوقت قد قرب؛ ولذا ينص الفقهاء على أن من أحيا تلك السنة، وجعل مؤذنين للفجر، فيجب ألا يتغايرا ولا يتبادلا، بل يكون الذي يؤذن أولاً شخصاً معروفاً، وصوته معروف؛ حتى إذا سمعه الناس عرفوا أنه الأذان الأول الذي لا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وإذا جاء الأذان الثاني فهو الذي يحل الصلاة ويحرم الطعام على الصائم.
فقالوا: إن عثمان رضي الله تعالى عنه وجد السنة النبوية أوجدت أذاناً قبل وقت الفجر لعلة؛ وهي: أن يرجع القائم؛ أي: الذي يقوم الليل إذا أراد أن يجدد طهارة، وإذا أراد أن يصوم يتسحر، فلما وجد الناس اشتغلوا في أسواقهم حتى وألهتهم عن الوقت، ولو انتظر الإنسان حتى ينادى للجمعة ربما فاتته نصف الخطبة أو الخطبة كلها؛ والله سبحانه يقول: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة:9] فـ عثمان عمل بهذا؛ كما في قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلو أن إنساناً كان منزله بعيداً عن مسجد الجمعة ولو أنه تأخر حتى يسمع النداء ثم توجه، تفوته الصلاة، فيتعين عليه وجوباً أن يسعى إليها قبل أن ينادى لها، فلو أن إنساناً في العالية أو قباء- وكانوا يأتون إلى الجمعة هنا- جلس هناك حتى سمع الأذان، ثم أخذ يتوضأ ومشى على قدميه إلى أن يأتي، فهل يدرك الجمعة؟ لا يدركها، إذاً: يتعين على من حاله كذلك أن يسعى إليها قبل وقت النداء إليها بما يكفيه أن يصل إلى المسجد، فلا ينادى إليها إلا وهو موجود فيه.
ونرجع إلى موضوع الغسل ليوم الجمعة، وقد وجدنا فيه حديثين: الحديث الأول: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ، والحديث الثاني: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) فبعضهم يقول: الأول نسخ بالثاني، نقول: لا، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: كان الغسل واجباً عليهم مراعاة لظروف حياتهم، فلما تغيرت الظروف تغيرت الفتوى، وتغير الحكم، فأصبح الغسل مندوباً إليه، ومن تركه صحت جمعته، كما استدلوا بقضية عثمان رضي الله تعالى عنه مع أمير المؤمنين عمر بحضرة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، والله تعالى أعلم.