حديث: (الماء من الماء) ، هناك من يقول: قد نسخ بحديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) .
، والصحيح أنه ليس منسوخاً؛ والمؤلف أدرك ذلك؛ ولذا جاء بحديث المرأة التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة غسل إن هي احتلمت؟ فقال: نعم، إذا رأت الماء) .
إذاً: للمرأة ماء، وللرجل ماء، وكانت أم سلمة موجودة فغطت وجهها وقالت: فضحت النساء، وهل المرأة تحتلم؟! استنكرت ذلك؛ لأنها ما احتلمت ولم تسمع بأن المرأة تحتلم، ولكن وجد ذلك من عدد من الصحابيات رضوان الله تعالى عليهن، وفي بعض الروايات: (النساء شقائق الرجال) ، يعني: يجري على النساء في المنام ما يجري على الرجال، فقال: (نعم، تغتسل إن هي رأت الماء) ، لا لمجرد الاحتلام بل لرؤية الماء.
وهل قوله: (رأت) رؤية علم إذا أحست بخروج الماء؟ قالوا: رؤية المرأة للماء لا يتعين خروجه؛ لأن ماءها يجد مكاناً يكمن فيه ولا يبرز إلى الخارج، فإذا أدركت أنه خرج ماؤها وانفصل عن مكانه ولو لم يبرز إلى الخارج فعليها غسل، بخلاف الرجل فإذا جاوز ماء الرجل مكانه فليس عنده مكان في الداخل يكمن فيه، بل يخرج إلى الخارج حالاً.
وهكذا حديث: (إذا رأت المرأة ما يرى الرجل) ليس هناك جلوس بين الشعب، وليس هناك جهد، وليس هناك مجاوزة ختان لختان، ولكن شيء في المنام رأته تسبب في خروج الماء، فعليها غسل، وسيأتي تتمة الحديث.
إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) شمل المرأة؛ فالمرأة إذا رأت ماءها باحتلام أوبغيره فعليها الغسل مثل الرجل في ذلك.
إذاً: حديث: (إنما الماء من الماء) لا يصح ادعاء نسخه؛ لأنه يبقى معمول به في غير الجماع؛ وهو الاحتلام، سواء كان للرجل أو كان للمرأة.
وبالمناسبة يقولون: إذا رأى الرجل المني في ثوبه ولم يذكر احتلاماً، فيغتسل لقوله: (الماء من الماء) ، وقد وقع لأمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أنه بعد أن صلى الصبح ذهب إلى الجرف، وبعد أن طلعت الشمس وجد في إزاره المني، فقال: ما أراني صليت الصبح إلا وأنا جنب.
وفي بعض الروايات قال: لما أصبنا الودك لانت العروق وجرى الماء؛ لأنه في عام الرمادة آلى على نفسه ألا يأكل دهناً ولا يأكل لحماً حتى يأكل ذلك كل المسلمين؛ فلما أخصبت الأرض وعادت الأمور إلى مجاريها وأكل، قال: فلما أصبنا الودك- والودك هو: الشحم المذاب- لا نت العروق - كانت يابسة - فجرى الماء، فغسل إزاره وأعاد صلاته، ولم يأمر الناس الذين صلى بهم أن يعيدوا صلاتهم.
ومن هذا أخذ العلماء: أن الصلاة إذا وقع فيها شيء من جانب الطهارة والنجاسة فخرج وقتها فلا إعادة.