الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى:-[عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) رواه مسلم، وأصله في البخاري] .
ذكر المؤلف رحمه الله باب الغسل، وأورد فيه عدة أحاديث، وبدأها بقوله عليه الصلاة والسلام: (الماء من الماء) ، فما المقصود بالحديث؟ قالوا: هذا من حسن الجناس في اللغة؛ لأن الماء الأول غير الماء الثاني، فالماء الأول هو: الماء المعهود للشرب والغسل، وأما الماء الثاني فالمقصود به المني.
والمعنى: أن استعمال الماء -للغسل- يكون من الماء الذي يخرج من الرجل، ومفهوم المخالفة: إذا لم ينزل المني فلا يجب الغسل، وسيأتي الجمع بين هذا الحديث وبين حديث: (إذا جلس بين شعبها) ، فلو أن إنساناً أتى أهله فأكسل -لم ينزل- فهل يجب عليه الغسل؟ إذا نظرنا إلى رواية أبي سعيد: (الماء من الماء) ، فهذا النص بهذا اللفظ لا يمنع أن يكون الماء من شيء آخر، لكن جاء الحديث بالحصر: (إنما الماء من الماء) ، والحصر كما يقولون: يحصر المبتدأ في خبره، فإذا قيل: إنما الماء من الماء، فلا غسل إلا لنزول المني فقط، لكن: (الماء من الماء) بدون حصر معناه: أن الغسل قد يكون من غير النزول كالجماع بدون إنزال مثلاً، وهناك من يقول: من أتى أهله فأكسل -لم ينزل المني- فلا غسل عليه.
وسبب هذا الحديث: أن أحد الصحابة كان على بطن زوجه، فناداه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعجل وقام ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اغتسل، فاعتذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب تأخره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عليك، إنما الماء من الماء) ، ما دمت أعجلت عليها ولم تنزل، فلا غسل عليك، لأن الغسل لا يجب إلا مع النزول، وإنما عليك أن تغسل فرجك، فأخذ بعض العلماء من هذا أن من جامع ولم ينزل فلا غسل عليه.
ثم جاء الحديث الآخر: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) ، قال بعضهم: الشعب كناية عن اليدين والرجلين، وذلك كناية عن الجماع، وأكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم جهدها) والجهد من الجهد، وهو: الطاقة؛ لأن المرأة تبذل جهداً، أو أن الرجل يحملها جهداً في هذه العملية، وذكر ابن دقيق العيد أن من معاني الجهد لغة: النكاح، فقوله: (ثم جهدها) بمعنى: وطئها.
وجاء في حديث آخر: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل) .
وجاء أيضاًَ: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم -قبل الحجاب- وعائشة جالسة فقال: إني لآتي أهلي وأكسل -لا أنزل المني- أعلي غسل؟ فقال: إني أفعله أنا وهذه ونغتسل) .