وفي هذا الموضوع يبحث العلماء مسألة دقيقة وهي: لو أن الميت عند موته جمع الورثة وقال: أنا أريد أن أوصي لأخيكم، أو لأختكم، أو لأمكم أو لزوجة أبيكم، بكذا وصية خاصة، فهل تجيزونها أو تمنعونها؟ إن قالوا جميعاً: نجيزها، أو قالوا جميعاً: لا نجيزها، فالعمل بما قالوا وهذا بالإجماع متفق عليه، وإن قال البعض: نعم نجيز، وقال البعض: لا نجيز أجيزت في حق من أجاز.
فإذا أوصى بالثلث، فيؤخذ ثلث الورثة الذين أجازوا ويعطى للموصى إليه بإجازتهم.
ولكن النقطة الحساسة في هذا هي: لو أنهم كلهم قالوا: نعم أجزنا، وبعد موت المورث وعند التنفيذ قام البعض وقال: أنا رجعت عن إجازتي، أو أنا لا أجيز تلك الوصية، فهل له حق في هذا الرجوع أو ليس له حق؟ يرى بعض المالكية أنه ليس له حق؛ لأن إجازته الأولى هي بمثابة الصدقة، والهبة، والهدية، فكأنه وهب لهذا الوارث ما أوصى به المورث، فإذا رجع في ذلك رجعنا إلى الكلام في العائد في هبته، وبعضهم قالوا: له أن يرجع؛ لأنه قد يكون إنما أجاز تكريماً لمورثهم، وبعض المالكية أيضاً قالوا: إذا كان هذا الذي رجع عن إجازته يعيش في كنف الموصي في حياته وخشي إن هو قال: لا أوافق أن تحصل عليه ضيقة في معيشته في كنف المورث، أو خشي أن يضيق عليه بسبب عدم موافقته، فوافق لتبقى حياته في كنف مورثه إلى النهاية، ولما أمن الأمر وتوفي الموصي رجع إلى حقه فقال: أنا لا أجيز، قالوا: يقبل رجوعه إن كان معللاً بهذه العلة أو بما يشبهها، والله تعالى أعلم.