[وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تغوط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه ولا يتحدثا؛ فإن الله يمقت على ذلك) رواه أحمد وصححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول] .
من آداب قضاء الحاجة: ما جاء هنا في حديث جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تغوط الرجلان فلا يكلم أحدهما الآخر؛ فإن الله يمقت على ذلك) .
يقولون: (تغوط) أي: دخل في الغائط، مثل تصبح وتمسى، والغائط: هو المكان المنخفض، وكانوا يقصدونه لأنه يستر صاحبه عن الناس، وجاء القرآن بهذا اللفظ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء:43] والإتيان من الغائط أو الذهاب إلى الغائط يراد به لازمه؛ لأنه ليس المراد مجرد كون الإنسان يأتي إلى مكان منخفض، بل المراد قضاء الحاجة؛ لأن العادة لا يذهب الناس إلى المكان المنخفض إلا لقضاء الحاجة المتقدم ذكرها في الأحاديث المتقدمة.
(فإذا تغوط الرجلان) أي: ذهبا معاً للمكان المنخفض ليقضي كل منهما حاجته، يقول صلى الله عليه وسلم: (فلا يتحدثا) أي: لا يكلم كل واحد منهما صاحبه.
وقوله: (الرجلان) خرج مخرج الغالب، ولكن لو ذهب رجل وامرأة كزوجين مثلاً وذهبا لقضاء الحاجة، أو امرأتان مثلاً ذهبتا لقضاء الحاجة؛ فالكل داخل في عموم المطلوب في هذا الحديث، أي: إذا تغوط اثنان: رجلان أو امرأتان أو رجل وامرأة، فلا يتحدثا عند قضاء الحاجة في الغائط.
(فإن الله يمقت) والمقت: شدة الغضب، فهذا النهي مصحوب بالتوعد بالعقوبة، وبعض العلماء يقول: إن من علامات الكبائر أن يأتي المنهي عنه مصحوباً بعقوبة شديدة عليه، ولذا أكد كثير من العلماء بأن هذا من الكبائر، وبعض الناس يقول: إنه من المكروهات ومن الآداب في قضية التخلي، ولكن إذا كان هناك نهي فلا يتحدث، وهناك ترتيب عقوبة: (فإن الله يمقت على ذلك) ، وهذا يدل على شيء أكبر من مجرد الكراهية، إلا إذا قلنا على بعض اصطلاح الفقهاء: كراهة تنزيه، وكراهة تحريم، فيكون هذا من المكروه كراهة التحريم.
ما هو تطلع العلماء إلى موجب المقت في هذا العمل؟ في الواقع لم أقف على جواب كافٍ في ذلك، ولكن هناك عمومات وهي: أن الملائكة المكلفين بالعبد: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] لا يفارقون الإنسان إلا عند قضاء الحاجة وعند إتيانه أهله، فلو تكلم في المرحاض أو أذنب فإن الملائكة تشم رائحة الخطيئة وتعلمها ولو لم تكن حاضرة إياها فتكتبها عليه، فهنا وفي هذه الحالة كأنه يستدعي الملائكة من أجل أن تكتب ما يقول، وكان ينبغي له ألا يسيء إلى رفقائه أو قرنائه، ويكفينا مؤاذاة الناس.
إذاً: إذا ذهب الإنسان مع زميل له إلى الغائط فإنه يجب أن يستتر كل منهما عن الآخر ولا يتحدث معه حتى ينتهيا من قضاء حاجتهما.
مسألة: إذا كان وحده هل يجوز أن يتكلم ولو كلاماً عادياً؟ كأن ينشد شعراً -مثلاً- هجاء أو وصفاً أو غزلاً أوغيره، هل يجوز ذلك؟ لا يجوز الكلام في ذلك؛ لأنه فيه استيجاد الملائكة لتكتب عليه ما يتلفظ به، وإذا كان في البنيان تكون الملائكة خارج المراحيض بعيداً عن النجاسة، فالخلاء ليس فيه تحديد.
إذاً: لا ينبغي الكلام للشخص في نفسه أو مع غيره، اللهم إلا إذا انتهى من حاجته واحتاج إلى من يساعده، وطلب ماءً أو حجارةً أو طلب شيئاً من ذلك فحينئذ لا مانع، أي: بعد قضاء حاجته والفراغ منها.
والله تعالى أعلم.