ثم فسر اللعانين فقال: (الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم) .
الرسول صلى الله عليه وسلم أسند اللعن هنا للبراز في الطريق والظل، والطريق والظل ليسا محلاً للعن، قال العلماء: معنى ذلك أن المتسبب في ذلك جلب اللعنة على نفسه ممن يأتي تلك الأماكن بفعله؛ لأن قارعة الطريق محل للناس يقرعونها بأقدامهم، فإذا قضى حاجته على الطريق آذاهم.
وكذلك الظل، والمراد به خصوص الظل الذي يستظل الناس فيه، بخلاف الظل في الخلاء، كأن تكون شجرة في الخلاء وظلها كثير، وليست طريقاً مطروقة فلا مانع أن يقضي حاجته تحتها؛ لأنه ليس موضعاً يأوي إليه الناس، أما إذا كان الظل على الطريق والمسافر يستظل فيه تحتها، فداخلة في معنى الظل.
قال العلماء: إسناد اللعن إلى الطريق والظل من المجاز العقلي؛ لأنه بفعله تسبب في أن الغير هو الذي يلعنه، كما جاء الحديث في تقبيح أن يسب الرجل أباه وأماه: (قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه،) فيكون كأنه هو الذي سب أباه؛ لأنه تسبب في ذلك.
ومثله:: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] أي: أنتم تتسببون في أنهم يسبون الله؛ لأنكم سببتم آلهتهم أو سببتموهم.
ولذا نقول في بعض المواقف السياسية التي تطرق أسماعنا: إن بعض الناس في بعض البلاد الإسلامية قد يأخذه الحماس إلى أن يوقع بالعدو مكيدة تساوي (10%) من الخسائر، فالعدو يتخذها ذريعة وينتقم بما يساوي (20%) ، فيكون هذا الذي فعل ما هو جزئية بسيطة تسبب في إيقاع الإيذاء لقومه بمضاعفات الإساءة.
ويؤخذ من قوله: (اتقوا اللاعنين) أنه لا يجوز قضاء الحاجة في موارد الناس كما جاء لفظ أبي داود.
وكذلك قارعة الطريق: وهي الجزء المعين بقرع الأقدام في المسير.
والظل: هو الظل الذي يحتاجه الناس ويستظلون به، سواء كان في الحضر أو السفر.
والموارد: جمع مورد، وهو في الأصل: الأماكن التي توجد على ضفاف الأنهار أو السيول أو العيون التي يردها الناس ليستقوا من الماء، فهذا أيضاً مورد للناس، فإذا قضى إنسان حاجته في تلك الموارد تسبب في لعنه؛ لأنه آذى الناس.