يقول المصنف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها) رواه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وهب رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فأثابه عليها، فقال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، فقال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، فقال: رضيت؟ قال: نعم) رواه أحمد وصححه ابن حبان] .
قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها) .
الهدية بالثواب في حكم البيع، إن رضي المهدي لما عوض عنها مضت وإلا ارتجعها، ولهذا الأعرابي لما أعطى لرسول الله، قال له: رضيت؟ قال: لا، قال: زيدوه، لأن البيع عن تراض، وهذا ما رضي.
وقالوا: إن الهبة للثواب جائزة عند الجميع إلا من رسول الله، لا يحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب هبة ينتظر ثوابها؛ لأنه في غنى عن الخلق، ولا يطمع في زيادة من أحد؛ لأن هذا ليس من مكارم الأخلاق، أما أن يقبل ويثيب هو فهذه مكارم أخلاق.
والعادة أن الواهب مع الموهوب له ثلاث حالات: إما أن يكون مساوياً له، يعني: وهب لنظير مساوياً له، أو يكون دونه وأقل منه، أو يكون وهب لمن هو أعلى وأغنى منه، وكل هذا جائز في الهبة، فإذا كان قد وهب لمساويه، إن كان يقول: هذه هبة ثواب تعينت، وعلى الموهوب له أن يثيبه عليها وإلا ارتجع هبته، وإذا لم يسم ثواباً فهي هبة للمودة وليست للثواب؛ فالقرائن هي التي تبين ذلك.
وإن كان قد وهب لمن هو دونه، فليس من المعقول أن يهب لشخص أقل منه مالاً وجاهاً وينتظر منه أن يثيبه ويعطيه.
لكن إذا وهب لمن هو أعلى منه: يأتي إنسان لأمير من الأمراء أو تاجر من التجار أو ولي أمر أو كذا أو كذا ويهدي إليه أعواداً من الأراك، السواك موجود ومتوفر، لكن هل هو أراد أن يهاديه ليتودد إليه أو يصانعه من أجل الثواب عند الله؟ لا.
إنما تطلع لما يثيبه عليه من أهدي إليه، وجرت العادة أن من كان أعلى من المهدي لا يعاوضه مثل قيمتها وإلا ما الفائدة؟ سيذهب بها عند الآخرين.
العادة من مكارم الأخلاق أن ذوي اليسار إذا أهدى إليه إنسان فقير أن يضاعف له قيمة الهدية؛ لأن هذا هو المقصود، ولما جاء الأعرابي وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة، قال: أعطوه، فأعطوه ثلاثاً، قال: رضيت؟ قال: لا، قال: زيدوه، ثم أعطوه ثلاثة أخرى، قال: رضيت؟ قال: لا، قال: أعطوه، فزادوه ثلاثة أخرى، فأصبح عددها تسعة، قال: رضيت؟ قال: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت ألا أقبل هدية ثواب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي) لماذا؟ لأنهم لا يعاملونه مثل هذه المعاملة.
إذاً: الهدية للثواب حكمها حكم البيع، وتفصيل ذلك: إنسان جاء وأهدى سيارة لمن هو أعلى منه بقصد المثوبة، فجاء وأعطاه سيارة أو وناقة، الذي أخذ السيارة جاء ليشغلها فإذا بها عيب، هل يلزمه أخذها بعيبها أم له حق الرد للعيب الموجود؟ له حق الرد؛ لأنه دفع قيمتها، فهبة الثواب يجري فيها أحكام البيع، كذلك الذي وهب السيارة وجد العطل الذي مع سيارته غير صالح، له حق أن يرجع ويرده، ويقول: أنت أعطيتني شيئاً غير صالح وعليه أن يعوضه عن هذه السيارة.
ويقولون: المعاوضة في هبة الثواب أقل حد فيها القيمة، ولكن يقولون: ليست من عادة ذوي المروءة أن يعامل المهدي الأقل كمعاملة السوق، يريد قيمتها، ما هي الفائدة إذاً؟ كونه يتعنى أن يهدي إليك بالذات ويعطيك هذه الهدية، هو يريد أكثر منها، لكن يقولون: لا يجوز أن يثيبه عليها أقل من قيمتها، والشافعي رحمه الله في الجديد عنه قال: لا تصح هبة مثوبة؛ لأنها معاوضة على مجهول، والذي يهدي لا يعلم ماذا سيعطيه المهدى إليه، فكان هناك مبايعة على غير بيع؛ ولذا نفى الشافعي رحمه الله الهبة للثواب، وقال: هذا بيع فيه جهالة في الثمن، فلا تصح، والله تعالى أعلم.