خالد رضي الله تعالى عنه أوقف ما يملك، ومن هنا قالوا: إن الوقف ينقسم إلى قسمين: وقف أهلي، ووقف تبرر، فالوقف الأهلي هو: أن يوقف العين على أهله، أو على أولاده وذويهم وذرياتهم، أي: على أشخاص إما معينين بالشخص مثل: (ولدي فلان) أو معينين بوصف مثل: (أولادي من صلبي) ، فهؤلاء محصورون ومعينون، ثم قد ينقله إلى أولاد أخيه أو إلى جيرانه أو إلى جماعة معينة، أو ينقله إلى عموم مثل: إلى بني فلان وهم قبيلة عامة، وهذه لا يمكن حصر أفرادها ولكن مجموعها، أو وقف على أهل وصف مثل طلبة العلم ثم إلى وصف آخر كذا وكذا، فيكون حينئذٍ وقف على أعيان وأشخاص لهم صلاحية القبول والتملك، فهذا الوقف بالنسبة للزكاة إنما هو هبة وصدقة، فلا يطالب الموقوف عليه بالزكاة، ولكن الوقف على معيَّن ينظر: كم حصته من الوقف هذا العام؟ ويعامل معاملة من وجبت عليهم زكاة الأموال، فإن كان الوقف زرعاً أو ثمرة فجد، وكان نصيبه من الثمرة ما يجب في مثله الزكاة؛ زكّاه حالاً، ونصاب الزكاة في التمر والحبوب خمسة أوسق، فإذا أصاب أحد الموقوف عليهم خمسة أوسق فما فوق؛ زكاه عند استلامه، كما قال الله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] ، وإن نقص الفرد المستحق عن هذا المقدار فلا زكاة عليه، كما لو كان المال من نخله وبستانه وملكه.
أما إذا كان الوقف على خير وعلى بر، كأن يقول: أوقفت هذا النخيل على طلبة العلم، فهو متصدق به على أشخاص غير معيّنين، ولا يمكن حصرهم، فمن حضر منهم في بلده استحق الوقف، فحينئذٍ يأخذه الطالب باسم الصدقة، وهو أوقفه وأخرجه عن ملكه باسم الصدقة، فإذا كانت عين الثمرة بكاملها صدقة لا نطلب الصدقة من صدقة على الآخرين، فهؤلاء الذين أخذوا بوصف العلم أو بوصف الفقر والمسكنة لا زكاة عليهم فيما أخذوه.
يقول صلى الله عليه وسلم في حق خالد رضي الله تعالى عنه: (احتبس) .
وجاء في الخيل حديث: (الخيل لثلاثة: فهي لرجل أجر، وهي لرجل ستر، وهي على رجل وزر) ، وفسرها صلى الله عليه وسلم بقوله: (فأما الذي هي له أجر فالذي يحتبسها في سبيل الله) ، أي: أعدها في سبيل الله ولم يخرجها عن يده وقفاً إنما أعدها لتكون مهيأة وجاهزة للقتال في سبيل الله، فالشخص الواحد يعد ويهيئ عتاده من سيف ورمح وخوذة على رأسه أو درع يلبسه أو أو إلى آخره.
وفرساً يعده للجهاد، فهذه لم تخرج عن ماله، فإذا أراد الزكاة قومها وقدرها؛ لأنها ممتلكاته، وليست من عروض التجارة، فهي للقنية، لكن يطلق عليه أنه أعدّها في سبيل الله، فقالوا في قضية خالد: إنه حبس أدراعه، فحبس بمعنى: حبّس وأوقف فلا زكاة فيها، أو حبس بمعنى أعد؛ ولذا ليس لكم طريق إلى مطالبته، وهو يعرف ما يجب عليه من حق الله في الزكاة.
لكن المؤلف يسوق هذا الحديث هنا ليبين أمرين: الأمر الأول: صحة الوقف في المنقول.
الأمر الثاني: عدم وجوب الزكاة فيما أوقفه صاحبه تبرراً لوجه الله، والله تعالى أعلم.