[وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استأجر أجيراً فليسمِ له أجرته) ، رواه عبد الرزاق، وفيه انقطاع، ووصله البيهقي من طريق أبي حنيفة] .
هذا الحديث وإن كان فيه انقطاع فهو يصدق الواقع: (من استأجر أجيراً فليسم له أجرته) ، وهو معنى قول الفقهاء: لابد من معرفة الأجر ونوع العمل.
تعال اشتغل عندي اليوم.
قد يظن أنه سينقل لبناً أو يكسر خشباً، وتقول له: ارفع هذا الرمل إلى السطوح وانزل.
والصعود إلى السطوح مرة واحدة يقدر بعمل أربعة أضعاف على الآخر، أو يحمله حجارة: انقل هذه الحجارة إلى المكان الفلاني، والحجر يحتاج إلى نفرين ليأخذوه، فيتكلف فيه، فيظن العمل سهلاً وإذا به صعب، فكذلك الأجرة، كم الأجرة؟ لا عليك، اعمل الآن هذا لا ينبغي.
وإن كان بعض العلماء يقول: يجوز استئجار الأجير بدون تحديد الأجرة على العمل، يقولون: فالأجرة يرجع فيها إلى العرف، كم عرف الناس أجرة العامل في اليوم؟ في السابق كانت عشرة ريالات للمعلم وللصبي أو العامل خمسة ريالات، المعلم البنا الذي يبني عشرة ريالات، وكانت تصرف في البيت عشرة أيام، لها قيمة، وقيمة النقد في العالم ليس في رصيده في البنك الدولي العام، ولكن في القيمة الشرائية في بلده، وكان القرص الخبز بقرشين، الآن بكم؟ صار بسبعة قروش، الريال بعشرين قرشاً، أين القرشين من سبعة؟! فقيمة الريال فيه كانت أُقة حمل الجمل بريال واحد.
ومن النكت مع بعض إخواننا الشناقطة: جزار ينادي يقول: يا جملٌ بريالٌ.
هل سمعتم بهذه الصيغة؟! المنادى ما يضم.
قال له: يا أخي! ما هذا اللحن، قل: بريالٍ، الباء تجر.
قال: إليك عني.
قال: النحو كسرته.
قال: لا شأن لي بنحوك، أنا أعمل بنحوي، أخشى أن يظن الزبون لما أقول: بريالٍ أني أقول: بريالين! فإعطاء الأجير حقه في وقته، وكما في الحديث: (قبل أن يجف عرقه) ، ويتعين في الأجير أن يبين له أجره، وكذلك عمله.
والذين قالوا: ليس بشرط، قالوا: إن عدم تعيين الأجرة يحددها العرف.
وعدم تحديد العمل استدلوا له بقصة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27] ، أؤجرك على ماذا؟ ما بين له نوع العمل الذي يستأجره فيه، قال: وما الذي سيكون عندي من عمل؟ المتبادر إلى الذهن هو رعي الغنم بدل البنات، فقالوا: العرف يحدد هذا.
والله تعالى أعلم.