هناك من يتوسط في المسألة ويقول: لا ينبغي لمعلم القرآن أن يشارط على الأجر، أعلمك جزء عم وتعطيني كذا بل يعلمه، وما أتاه من غير مسألة أخذه، ولكن نحن الآن نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا كان عندنا أبناؤنا، وعندنا معلمو قرآن، وقلنا لمعلمي القرآن: علموا أولادنا ولا أجر لكم أنتم تريدون أن تعلموا أولادكم، وأنا أريد أن أطعم أولادي، فأنا أريد أن أسعى وأعمل لأولادي، وأولادكم ليسوا بأولى من أولادي.
له حق في هذا أم أنه ملزم أن يترك أولاده يضيعون ويذهب يعلم أولادهم؟! ليس بملزم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) ، فإذا انقطع لأولادهم يعلمهم، فله حق عليهم في إطعام أولاده، أنا أديت واجباً لأولادكم فعليكم أن تؤدوا واجباً لأولادي، وما الواجب الذي سيؤدونه غير الأجرة التي سيدفعونها؟ قالوا: إذاً هناك تبادل منفعة، وهناك تعليم الأولاد واجب، وما لا يتم هذا الواجب إلا به فهو واجب.
إذاً: إطعام أولاد معلم القرآن واجب، فهو يؤدي الواجب من عنده لأولادكم، وأنتم تؤدون الواجب من عندكم لأولاده.
ثم قال العلماء: هذا كان في السابق لما كان الناس يقدرون ويتعاونون، لكن الآن لو قلنا هذا لا ندري من الذي سيدفع ومن الذي لن يدفع، فإذا جاءت الدولة وجعلت أجراً للمعلمين من بيت مال المسلمين، أو من صندوق الدولة إذا لم يكن هناك بيت مال منتظم، والدولة تأخذ ضرائب من الأفراد على المصالح العامة: المستشفيات، المدارس، تعبيد الطرق، مد الجسور على الأنهار، المحاكم، إذاً: الذي تعطيه الدولة لا لبس فيه، ويدخل في هذا بقية المناصب كما قلنا: الإمام يلتزم للناس بخمس صلوات، القاضي يلتزم للناس بوقت معين ينظر فيه في قضاياهم، المفتي كذلك ينظر في أمور الناس ويفتيهم، وأصبحت جميع أعمال القرب مبنية على ذلك.
وعلى هذا: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، لا مانع أن يأخذ على تعليمه الأجر، ولا يمنع أن يحتسب عمله لله، كما جاء في حق الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:198] ، يحج ويتاجر، وتجارته لا تمنع حجه، ولكن هناك فرق: بين من ذهب ليتاجر والحج على الرف، ومن ذهب ليحج والتجارة وسيلة؛ فلا مانع في ذلك، كما قالوا في الذي يأخذ الأجر ليحج عن غيره، يحج بأجر أو لا؟ قالوا: إن أخذ ليحج فلا مانع، وإن حج ليأخذ فلا.
ما الفرق بينهم؟ الأول: يريد أن يحج عن الغير، لكن ليست عنده استطاعة ليذهب ويحج، فأخذ منك ما يوصله إلى الحج، فهذا جزاه الله خيراً، وله مثل أجره، لكن من ليست عنده رغبة في الحج ولا نية فيه، ولكن سمع من يقول: أريد من يحج بدلاً عني.
قال: أنا أحج، ولكن أعطني.
فهذا حج ليأخذ، فهذا أخذه فيه نظر.
والله تعالى أعلم.