في بعض الروايات: (أن رافعاً أتى أهل قباء وقال: يا أهل قباء! لقد جئتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر كانت لكم فيه مصلحة، ولكن طاعة رسول الله أولى، نهى عن المزارعة) ، وذكر هذا الأمر.
وجاء عن زيد بن ثابت قال: (رحم الله رافعاً، والله إني لأعلم بالحديث منه، إنما جاء رجلان يختصمان في أرض استأجرها أحدهما من الآخر-وذكر الصورة، فقال: أو تفعلون ذلك! فنهى عن الإجارة حينئذ) .
وهنا يقول الصنعاني: رافع اقتصر هنا على جزء من الحديث فأخل بالمقصود، لأنه قال: نهى.
فهل نهى ابتداءً أو نهى لسبب المنازعة والخصومة؟ نهى لسبب النزاع والخصومة في تلك الصورة التي لم يكن لهم إجارة إلا هي، وهنا التنبيه على أن طالب العلم لا يأخذ جزءاً من الحديث ويترك الباقي، قد يكون في هذا الجزء ارتباط وثيق قوي بأوله، وقد يكون أول الحديث علة لآخره، أو تمهيداً له، أو سبباً فيه، فلابد من جمع أطراف الحديث كما قال علي رضي الله تعالى عنه: (لا ينبغي للمحدث أن يحدث بالحديث حتى يجمع أطرافه) .
ومن هنا كان التأليف في باب (أطراف الحديث) ، والبخاري رحمه الله قد يقطع الحديث في مواطن متعددة، ولكن يأتي بالجملة من الحديث على قدر معنى الباب، وقد يعيد الحديث بعينه ولفظه مراراً لعدة معانٍ فيه، وفي كل مرة يورد الحديث لجزء منه، كما في حديث: (من عمل لي إلى الظهر) ، قال: باب من استأجر إلى نصف النهار.
وساق الحديث، ثم عقب عليه: باب من عمل إلى العصر.
وساق عين الحديث الأول؛ لأن الحديث يشتمل عليهما.
يهمنا في هذا: أن طالب العلم عندما يحدث بجزء من حديث يتعين عليه أن يقف على تمام الحديث؛ ليربط آخره بأوله.