وهنا إذا قال الشريك: أنا لا أشتري، فقال له: أنا سأبيع، فقال له: بع.
فقال له: ولكن هل ستشفع بعدما أبيع أم ستترك الشفعة؟ فسكت ولم يقل شيئاً، أو قال: لا أشفع، فباع الشريك حصته على ثالث، وبعد أن باع جاء الشريك وقال: سأشفع، فهل يحق له طلب الشفعة، أو أن طلبه سقط بإسقاطه إياه قبل العقد؟ المسألة خلافية، ولكن المنصوص عليه عند الحنابلة والراجح عند الجمهور: أنه إذا عرض عليه فقال: لا أشفع وسكت حتى باع، فإن أصل الشفعة لا يأتي بها إلا عقد البيع للشقص، وهل هناك شفعة قبل أن يبيع؟ الجواب: لا شفعة قبل البيع، وهو عندما قال: أسقطت حقي في الشفعة، فحقه لم يأت بعد؛ لأن الشريك لم يوقع البيع فلا محل للشفعة، فهو أسقط مالم يملك، فلما جاء عقد البيع جاء العقد معه بحق الشفعة، فقيل له: لماذا قلت: أنا لا أشفع وغررت بشريكك؟ قال: لا، هو يريد أن يتفق المشتري عليّ، وإذا باع له فسيبيع له بألف، وإذا علم بأني سأشفع فسيتفق معه على ألفين؛ لأن الشفيع لا يأخذ إلا بما وقع عليه البيع للأجنبي، فإذا قال الشريك: أنا سأشفع إذا بعت فقد يذهب شريكه الآخر ويبيع ما يساوي ألفاً بألفين، ويزيد الألف هذا إما تعجيزاً للشفيع ليترك الشفعة، وإما زيادة في الظاهر ثم يتقاسمان الألف الزائدة بينهما على حساب الشفيع، فإذا قال الشريك: أنا لن أشفع، اذهب وبعه، فهو ينفي الاتفاق على المضرة والغرر به، وكذلك إذا قال: أنا تركت ولم يقل: أشفع، حتى لا يدخلوا عليه الزيادة في الثمن لعلمهم أنه سيشفع.
إذاً: لا يبيع حتى يؤذن صاحبه فيشتري أو يترك، فإن اشترى فالحمد لله، وإن ترك حتى باع الشريك، فله الحق أن يأتي ويقول: مادام أن البيع قد وقع فأنا أشفع، وهذا أيضاً نص على أن الشفعة في الشراكة وليس فيه الجوار.
قوله: وفي رواية الطحاوي: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء) .
هناك لا شفعة إلا فيما يقسم، وإذا وقعت القسمة انتفت، الشفعة في ربع أو دار.
أي: في عقار ثابت، وهنا قال: (في كل شيء) إذا وجدت شراكة في أي شيء سواءً كانت في سيارة، أو في سفينة أو -كما يقول البعض- في سيف، أو في فرس، أو في حيوان أو متاع منقول، فكلمة: (في كل شيء) جمعت كل شيء، ولم يقل بهذا الجمهور، ولكن يروى هذا عن مالك وعن أحمد ولكن مذهب الحنابلة على خلاف ذلك، فهذا الحديث أو هذا الأثر يشعر بجواز الشفعة في كل شراكة، وإذا سألك أحد: كيف أشفع في سيارة فشريكي الأول الذي كان معي ابن حلال لا يدقق معي ولا يحاسبني -وسيأتي هذا- فإما أن يأخذ السيارة ويقول: أحاسبك، أو يأتي كل يوم إليّ ويقول: حاسبني حساب السيارة اليوم، فأنا أشفع وآخذ حقي؟ فبعضهم يقول: إذا تضرر الشريك من شركة الآخر تباع ويفض النزاع بين الطرفين؛ ولتعذر الاستفادة من الشراكة أو الشفعة في المنقول كالثياب، فكيف يشفع في الثوب؟ وإذا باع عباءته أو باع مشلحه، فقال: شريكه أنا أشفع فيه، فإن لي النصف فيه، فقد اشتريناه شركة، أو ورثناه سوية من أبينا، وهذا يصح التملك فيه، يقولون: إن الأثر الذي عند الطحاوي لا يمكن أن يناهض ما جاء في الصحيحين، فقد جاء بصريح النطق: (لا شفعة إلا في ربع أو دار) (قضى بالشفعة في كل مالم يقسم) والسيارة والثوب ونحو ذلك، هذه لا تقسم ولا يمكن الانتفاع بحصة منها.
إذاً: ما يمكن إلا أن نبيع؛ ولهذا حتى الروايات التي جاءت عن بعض الأئمة أصحابهم لم يعملوا بها.