والشفعة لغة: من الشفع ضد الوتر، فالوتر واحد، والشفع اثنان فأكثر مما يقبل القسمة على اثنين بدون باقٍ، كالأربعة والستة والثمانية والعشرة إلخ، فهذه أعداد شفع، والواحد والثلاثة والخمسة والسبعة أعداد وتر؛ لأنها لا تقبل القسمة على اثنين بدون باق.
والشفعة قيل: أخذت من معنى الشفع بمعنى: الزيادة، وبمعنى: الضم، وبمعنى: النصرة.
والشفعة عند الفقهاء رحمهم الله هي: أن يأخذ الشريك حصة شريكه ممن اشتراها عن طريق الحاكم.
وقال بعض العلماء: إن الشفعة غايرت القاعدة العامة في احترام أموال الناس؛ لأن بها انتزع حق المالك بغير رضاه، والقاعدة هي قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) فقالوا: غايرت القاعدة العامة، ولكن استندت إلى قاعدة أخرى وهي: (لا ضرر ولا ضرار) ؛ ولهذا يقولون: شرعت الشفعة لرفع الضرر عن الشريك.
وصورتها على سبيل الإجمال: أن يكون العقار -ربع أو دار، أي: أرض أو بيت أو بستان- مملوكاً لاثنين هما شريكان فيه، وتلك الشركة على الإشاعة، كل له النصف أو الربع أو ثلاثة أرباع، أو الثلث أو الثلثان، بدون قسمة ولا تمييز، أو له ثلاثون أو ستون في المائة من عين العقار، فيبيع أحد الشريكين حصته إلى شخص ثالث، فيأتي الشريك الذي لم يبع ويخشى مضرة الذي اشترى بأن يسيء معه الشراكة أو يكون رجل سوء؛ فيشفع عليه وينتزع منه الحصة التي اشتراها من شريكه ويضمها إلى حصته هو، فيكون قد شفع حصة شريكه إلى حصته بضمها إليه.
هذا هو هيكل الشفعة، وذكر بعض العلماء: أن الشفعة في الجملة كانت موجودة في الجاهلية وإن لم تكن على النظام المشروع والموجود في الإسلام، وذكروا: أن الرجل كان إذا أراد أن يبيع بيته -وليس فيه شركة لأحد- فإذا علم رجل بذلك، وأتاه وقال: أنا أحب أن أشتري البيت، قدمه على غيره، فاعتبروا ذلك من الشفعة.
ومن القواعد العامة في الإسلام: احترام الأموال، ومن القواعد العامة: رفع الضرر، فالشفعة يجتمع فيها الأمران؛ يجتمع فيها احترام المال والتعدي عليه، ويجتمع فيها وجود المضرة.
أما أخذ المال؛ فلأن الشفيع يأخذ حصة المشتري بدون رضاه، والمال محترم وهذا فيه مضرة على المشتري أن ينتزع ماله بغير رضاه، وفيها أيضاً رفع الضرر عن الشريك الذي لم يبع؛ لأن المشتري أجنبي عنه، وقد يعلم من سلوك المشتري الذي سيدخل شريكاً معه ما يتضرر به.
إذاً: هناك مضرة على الذي اشترى بانتزاعه منه، وهناك مضرة على الذي لم يبع بدخول شخص ثالث عليه، فاجتمعت المضرتان.
والقاعدة عند الأصوليين: (إذا وجدت مضرتان؛ فيرتكب أخفهما ضرراً) .
فقالوا: إن المضرة التي تكون على المشتري بأخذ الحصة منه وردها إلى الشريك أخف من المضرة التي ستكون على الشريك من المشتري الجديد سيئ الخلق أو سيئ الشراكة أو العشرة.
إذاً: يرتكب أخف الضررين؛ فيلغى شراء المشتري الجديد وترجع الحصة إلى صاحب الشراكة القديمة، والمشتري سيأخذ ما دفع، وليس عليه مضرة مالية، فإذا اشترى بألف فسيرد إليه الألف الذي دفع، وانتهت المشكلة، بخلاف ما لو ألغينا الشفعة، فسيأتي شخص آخر -وبحكم التملك- ربما طالب بالقسمة في المشاع، وربما زاحم صاحب الشراكة الأول فتكون المضرة مستمرة.
ويقولون: ما خالف في الشفعة من السلف إلا عالم واحد يقال له: الأصم، فإنه قال: هذا اشترى وتملك، فكيف ننزع منه ملكه بغير رضاه؟ وأجاب الجمهور: بأن هذا من باب ارتكاب أخف الضررين.
والعالم كله على سبيل الإجمال يقرر الشفعة في القضاء المدني ما عدا بلداً واحداً عربياً ألغى الحكم بالشفعة في عهد قريب حوالي في الخمسينات بينما القضاء الفرنسي إلى اليوم يعمل بالشفعة، والقوانين الأوربية كلها تقر العمل بالشفعة.
إذاً: كما يقول العلماء: الشفعة ثابتة بالكتاب، وبالسنة وبالإجماع.
أما الكتاب فبالعمومات، وأما السنة فبنصوص تفصيلية كما ذكر المؤلف رحمه الله هنا.
وأما الإجماع: فالعمل بها ماض من زمن النبي صلى الله عليه وسلم على مر العصور الإسلامية، وهلم جرا.
إذاً: الشفعة مشروعة بلا نزاع، ولا عبرة بالأصم في مخالفته، ولا عبرة بإلغاء بعض الدول العربية المتأخرة للشفعة، فقد كانت موجودة عندها قبل الإلغاء، وهو حجة عليها.