قال المصنف رحمه الله: [وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته) رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي، ويقال: إن البخاري ضعفه] .
بالتأمل فيما ساقه المؤلف رحمه الله في باب الغصب، وما تقدم في اغتصاب شبر أو شيء من الأرض، والتحذير والوعيد الشديد من الظلم والاغتصاب، وجاء بحديث القصعة، وبيان أن الغصب معه قيمة المتلفات، ولهذا يقول ابن رشد: البحث في الغصب من عدة جهات، منها: من جهة أن المغصوب إذا وجد بعينه رد إلى صاحبه بتمامه بلا خلاف، أما الطوارئ فبخلاف ذلك، والطوارئ: هي المتغيرات التي تحدث في المغصوب، بأن غصب غزلاً فنسجه، أو شاة فذبحها.
إلى غير ذلك مما يطرأ على المغصوب من زيادة أو نقص.
ثم جاء المؤلف رحمه الله بهذين الحديثين، ويمكن أن يقال: إن أحد الحديثين يغني عن الآخر، كحديث: (من غرس النخل حكم بالأرض لصاحبها، ولصاحب النخل أن يرفع نخله) ، ثم جاءت القضية العامة: (ليس لعرق ظالم حق) ، لكنه جاء بالحديث الذي قبله فيما يتعلق بالزرع، فكان أحد الحديثين يتعلق بالزرع، والآخر بالغرس.
وفرق بين الزرع والغرس: أن الزرع -كما يقولون- زراعة موسمية مؤقتة، وأقصى ما يكون مدته في الأرض ستة أشهر على حسب نوعية المزروع، وإن كان البعض قد يتجدد على جدات -وخاصة في الحجاز- إلى خمس سنوات، وهو نوع من البرسيم، وفي غير المدينة يسمى البرسيم الحجازي.
فالزرع مهما كان له أمد، فهو بخلاف الغرس فإنه يعمر طويلاً، فالحديث الأول: (من زرع في أرض قوم) ، ولم يقل: غرس، وللمغايرة بين الحديثين اختلف العلماء، ونحن نأخذ مدلول الحديثين كلاً على حدة، ثم نرجع بالنظر بين الحديثين، وخلاصة ما ذكره العلماء في هذه القضية المزدوجة.