ذكر البخاري رحمه الله بأن زوجات رسول الله كن قسمين: عائشة وحفصة وسودة، وأم سلمة ومن معها، وكن بهذا التآمر يحتلن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور ربما كان يحبها، من ذلك: أنه كان صلى الله عليه وسلم من عادته إذا صلى العصر طاف على نسائه، وكانت حجر زوجاته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن مطيفات بالمسجد، ابتداءً من حجرة عائشة وحجرة حفصة التي كانت مقابلة لها.
والشباك الذي في واجهة جدار المسجد القبلي كان محله باب، وكان يقال له: (باب آل عمر) ؛ لأن حفصة كانت تسكن في مقابل حجرة عائشة، وكن إذا صعدن في الطابق الثاني يتناولن الهدايا من الشباك، فكان يبدأ من بيت آل عمر في الجنوب، ويطوف بالشرق، ثم يأتي إلى الشمال.
هكذا كانت حجرات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يطوف عليهن بعد العصر، فإذا مر بـ زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها استوقفته، وأتته بعسل، ومزجته بالماء وصنعت له شراباً، وكان يحب الحلوى والبارد، فيشرب العسل، فغرن من هذا، لماذا يخصها بالوقوف، ولماذا يشرب عندها العسل واستكثرن ذلك عليه، فبدأت مؤامرة حفصة وعائشة، كيف نمنعه من هذا الوقوف؟ وكيف نمنعه من هذا العسل الذي اختصت به زينب؟ فقلن فيما ببينهما: ليقل له من يأتيه قبل الأخرى أجد -كان ربما دنا وقبَّل- ريح مغافير، وهو نبات حلو الطعم كريه الرائحة، فيقول: لا.
أنا ما شربت هذا، أنا شربت عسلاً عند زينب، يمكن أن النحل رعى في ذاك النبات، فجاءت الرائحة في العسل، وكأنهن لا يعلمن شيئاً رضوان الله تعالى عليهن.
فلما جاء للأولى قالت له ذلك، ولما جاء للثانية قالت له ذلك، فحرمه على نفسه، ثم أصبح يمر على زينب كعابر سبيل كما يمر على غيرها، وفيما بعد عندما نجحت المؤامرة قلن فيما بينهن: والله لقد حرمناه من شيء كان يحبه.