بحث في عدد طبقات الأرض

وهذا البحث من مباحث الجيولوجيا -كما يقولون- أو طبقات الأرض أو نوعيتها، وهل الأرضون سبع أو واحدة؟ والمشكلة قائمة من السابق، ويذكر بعض العلماء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه سئل عن سبع أرضين، فقال: (لو حدثتكم بها لكفرتم) .

أي: لا تستطيعون تصديق ذلك فتنكروه فتكفرون، ولكن الأثر ضعيف.

إن الله سبحانه وتعالى ذكر السماوات سبعاً بالعدد، فذكرها بلفظ مفرد وذكر السماء بلفظ الجمع، أما الأرض فلم تأت مجموعة في كتاب الله قط، وسمعت من والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: إن الله سبحانه وتعالى جمع السماوات؛ لأن هذا الجمع سائغ، أما الأرض فجمعها شاذ، وكما يقول ابن مالك في الألفية: وأرضون شذ والسنون.

عندما تجمع الأرض وتقول: أرضون، هذا جمع شاذ، وكذلك، والسنون جمع شاذ، تقول: سنوات، سنين، أما سنون في حالة الرفع فهذا شاذ، والقرآن يتجنب الشاذ.

وقد شهدت مناظرة في هذا المسجد من شخص يدير معهداً في علوم ما مع والدنا الشيخ الأمين، وذلك حينما تعرض الشيخ لهذه القضية في الجمع والإفراد؛ فتجرأ وقال: يا شيخ! الناس ذهبت إلى الفضاء وإلى كذا وكذا في مراكب، ونحن الآن في جمع شاذ وجمع غير شاذ! فتضجر الشيخ قليلاً من هذا الكلام، واستأذنت الشيخ أن أتفاهم معه، وأذن للعشاء، وبعد العشاء كان هناك حديث طويل لا حاجة إلى إيراده في هذا الجمع الآن، لكن يهمنا أنهم كانوا ولا زالوا حتى الآن -وللأسف كل الأسف! - في هذه المسألة وفي هذا الحديث كتبهم من أغرب كتب التفسير، وعندما أقف على تفسير جديد محدث صاحبه له شهرته، وله قدرته في البلاغة واللغة، تزل قدمه في هذا الموضوع علماء الهيئة يقولون: إن السماء قبة زرقاء هوائية، وهو يعبر في تفسيره عن الكرة الهوائية، ويفسر السماوات السبع بالكواكب السيارة، وهو ما ذكره صاحبنا في قضيته مع الشيخ من حوالي عشرين سنة؛ لأنهم يتخيلون أن ليس هناك جرم سماء، وإنما الذي نراه من الزرقة من بعد المسافة، وأنها طبقات هوائية، وهذا المؤسف إذا كنا نسمعه من أشخاص درسوا الماديات على غير المسلمين، ثم تكلموا بها، فيمكن للعاقل أن يعذرهم، فهذا حدهم، ولكن عالم من علماء المسلمين، ويكتب التفسير من كذا جزء، ويقول عن السماء: الكرة الهوائية القائمة على الأثير، وكونها سبع إنما هي الكواكب السيارة السبعة! والله ذكر: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] ، فجاء العلماء وقالوا: الأرض مثلهن في ماذا؟ في ارتفاعها؟ لا.

في مساحتها؟ لا.

الأرض بالنسبة إلى السماء كنقطة حبر في قطعة ورقة مساحتها كيلو في كيلو، والسماء على الأرض كالقبة كما جاء في حديث ابن عباس، السماء الأولى على الأرض كالقبة، والثانية فوقها كالعقبة، وهكذا سبع سماوات، وسمك السماء في ذاتها مسيرة خمسمائة عام، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ} [الذاريات:47] ، أي: بقوة، وهذا لا يقال في الهواء، وفي حديث الإسراء حينما عرج جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الدنيا فطرق الباب، فقيل: من؟ قال: جبريل.

أمعك أحد؟ قال: معي محمد.

أو أرسل إليه؟ قال: بلى.

فيفتح الباب، هل هذا في هواء؟! نأتي إلى الأرض التي نحن نعيش فيها، فهناك من يقول: سبع أرضين كل واحدة منفصلة عن الثانية إلى سبع، وبين كل أرض وأرض فضاء، وذكروا أشياء وأخباراً، حتى أن البعض عزاها لمن سمع من الإسرائيليات، ومنهم من يقول: كل أرض فيها آدم كآدمكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وكعبة ككعبتكم، و.

و.

إلى شيء كثير جداً.

والتحقيق عندهم: أن عدد الأرضين سبع متلاصقة وليست منفصلة، وتجدون البحث في هذا عند قوله: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء:30] ، فمن يقول: {كَانَتَا رَتْقًا} ، الرتق: المرتبط، والفك الفتح، والسماء كانت رتقاً مع الأرض ففصلت السماء على حدة والأرض على حدة، وبعضهم يقول: السماء كانت رتقاً ففتقها سبعاً، والأرض كانت رتقاً ففتقها سبعاً.

والآخرون يقولون: إن فتق السماء بإنزال المطر، وفتق الأرض بتشققها للنبات، كانت الأرض رتقاً صماً، فالله سبحانه وتعالى فتقها لإنبات النبات: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس:27-28] ، إلى آخر الآيات الكريمة.

وبعض المحققين يقول: في هذا الحديث إشعار بأن الأرض على تقدير أنها سبع أرضين متلاصقة.

وبعضهم يقول: كقشر البصل كل واحدة فوق الثانية، وبعضهم يقول: إن الأرضين السبع هي القارات اليابسة مع الماء، ونسبة اليابس مع الماء مع الأرض الربع، وثلاثة الأرباع ماء، المحيطات وهو بحر واحد، وإن كانوا يسمونها البحر الأحمر، البحر الأبيض، المحيط الأطلسي، المحيط الأطلنطي، المحيط الهادئ، ولكن عند التحقيق فكلها بحر واحد: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان:27] ، البحر واحد في الأرض، لكن تتغير الأسماء بموقعه.

والآن ماذا يقول السادة المشايخ بعد مجيء مراكب الفضاء، وبعد الدوران حول الأرض عدة مرات؟ هل هناك أرضين تحت الدورة هذه؟ وتعاقب الليل والنهار مع الشمس بحركة الأرض أو بحركة الشمس ليس لنا علاقة بهذه المعركة؛ فما تعامد مع الشمس فهو نهار، وما تعاقب دونها فهو ليل، فهل الأرضون السبع لها سماوات سبع ولها سبع شموس؟ أقول: إن هذه النقطة بالذات شغلت العلماء، وأوجدت تلك الأقوال والأفكار، ونحن نقول: يقول الله سبحانه: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} [الكهف:51] ، وجاء الحديث: (ولم تدرك عقولنا كنهها) .

إذاً: ما لم يشهدنا كيف خلق الأرض، نقول: آمنا بالله، وبما جاء عن الله على مراد رسول الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله، أما كونها سبع أرضين بعضها منطبق على بعض؛ فالذين درسوا قليلاً من الجغرافيا يعلمون أن جوف الأرض منصهر، وأن البراكين التي تظهر ما هي إلا من انصهار المعادن والأجرام التي في باطن الأرض وتتموج، وإذا وجدت ضعفاً في قشرة الأرض الخارجية خرج البركان حمماً يسيل مثل الماء.

إذاً: باطن الأرض الله أعلم به، ويكفي -كما يقولون- في أحاديث الوعيد أن تمرر كما جاءت، ولا يفصل فيها، وهذا اللفظ بذاته يكفي لزجر وإرعاب من تسول له نفسه بالاغتصاب.

والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015