قوله: (من اغتصب شبراً) وفي بعض الروايات: (شيئاً) ؛ لأن التقدير بالشبر في الأرض شيء ليس له أهمية، كما لو كان شبراً في ذرع قماش، أو شبراً في بيت مبني، عندها تكون قيمته كبيرة، فعندما تكون أرضاً في الخلاء ويكون الفارق شبر أو شبرين أو متر أو مترين فالمسألة هينة، ولكن أقل التقديرات عندهم الأصبع والشبر، فإذا كان الوعيد الشديد في الشبر فالذراع والباع من باب أولى، ولكون الشبر ليس له مفهوم، وقد جاءت الرواية الأخرى بـ: (من اغتصب شيئاً) ، ولو قدر إصبع؛ لأنه الغرض النهي عن الغصب بصرف النظر عن القليل والكثير الأرض فلاة متسعة، لكن كونك تغتصب من حق أخيك فهذه هي الجناية.
وهذا وعيد شديد ينبغي على جميع أهل البساتين والأراضي وأصحاب المخططات، الذين يتعاطون العقارات أن يحفظوا هذا الحديث؛ ليتحروا الحق فلا يتجاوزه، ومما يروى في ذلك: أن امرأة كانت جارة لـ سعد بن أبي وقاص، فجاءت واشكته إلى الأمير وادعت أنه اغتصب شيئاً من أرضها.
فقال: معاذ الله! أنا أغتصب من أرضها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغتصب من الأرض شبراً طوقه من سبع أرضين) ، فزجرت عن ذلك، ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واجعل ميتتها في أرضها.
ففي آخر عمرها -عياذاً بالله- كف بصرها، ولما كانت تمشي في أرضها سقطت في بئر من آبارها وماتت فيها، ثم بعد ذلك جاءت السيول وكشفت عن الظفير الذي بينها وبين سعد، فإذا بالظفير بعيد عن أرض سعد، وإنما هي التي دخلت في أرض سعد، والظفير مدفون في أرضها هي.