(على اليد ما أخذت) أخذت ممن؟ ومن أين؟ وهل أخذت سرقة أو أخذت غصباً؟ المراد: أخذت من مالك العارية أو من ينوب عنه.
(حتى) وحتى: حرف غاية، (تؤديه) أي: ترده من حيث أخذته، واستدلوا على وجوب ردها بقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] ، والحديث عام في كل ما أخذته يد من غيرها، إذا استأجرت عيناً، أو استأجرت سيارة فعليك أن تؤديها: (على اليد ما أخذت) وهي في ضمانها حتى تؤديه، فإذا استعرت أرضاً مثلاً: فعليك هذه الأرض حتى تؤديها، أو استعرت داراً تسكنها، أو دكاناً تستخدمه، أو دابة تركبها، وكل ذلك مما تصح إعارته فعليك ضمانها، وعليك حفظها.
(على اليد ما أخذت) هنا يقولون: في الحديث محذوف مقدر يرجع تقديره إلى حكم العارية.
أي: مؤداة أو مضمونة.
فإن كانت مؤداة فعلى اليد حفظها، وإن كانت مضمونة فعليها ضمانها.
أي: على اليد ضمان ما أخذت، وعلى اليد حفظ ما أخذت، وكلا التقديرين وارد.
وعليه يأتي البحث في العارية أمضمونة هي أم مؤداة؟ والفرق بين مضمونة ومؤداة: المضمونة لو تلفت بصرف النظر عن صور الإتلاف فيما تلفت، وقلنا: عليه الضمان ضمن القيمة أو المثلية، والقيمة إن كانت مقومة، والمثل إن كانت مثلية، وأما مؤادة فالموجود منها يرده ويؤديه إلى صاحبها، والتالف لا ضمان فيه.
إذاً: العارية من حيث هي مندوب إليها في الحكم، وقد ذم الله مانعيها في عموم قوله سبحانه: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] ، ثم يأتي الكلام عن أنواعها وعن أحكام المعير، والمستعير، والضمان.
إذاً: (على اليد ما أخذت حتى ترده) ، هل في هذا الحديث تنصيص على ضمان أو عدم ضمان؟ يقول العلماء: ليس في الحديث تنصيص وإنما فيه تقدير نحتاج إليه: (على اليد ما أخذت حتى ترده) ماذا عليها؟ بعضهم يقول: على اليد حفظها وضمانها، وقيل: على اليد أداؤها، وعلى كلا الوجهين جاءت الأقوال والمذاهب في الضمان وفي الأداء وعدم الضمان، وكل له وجهة، وتحقيق المناط هنا في الأداء أو الضمان ما لم يوجد تعدٍ أو إفراط، فإذا تلفت في إفراط أو تعدٍ فيكون بالإجماع ضامن، وأما إذا تلفت في عين ما استعيرت له فهنا جاء الخلاف: فإذا استعار دابة ليركبها فذهب وحمل عليها الحطب فتلفت، فهو بهذا قد تعدى، وإذا استعارها ليركبها من المدينة إلى قباء فذهب وحملها خشب من البيت إلى قباء، فهو بهذا قد استعملها في غير ما استعارها له.
فهو بحمل الخشب عليها قد تعدى، فإن تلفت تحت الخشب فهو ضامن باتفاق، وكذلك إذا تلفت بتفريط، فإذا استعارها ثلاثة أو أربعة أيام ليركبها، ولما وصل إلى البيت لم يعطها ماءً ولا علفاً فتلفت فهذا فيه تفريط.
وإذا استعرت سيارة ومشيت بها من غير زيت، ولا ماء، ولا كشفت على كذا ولا على كذا، ومشيت بها في محلات وعرة فبنشرت الكفرات، وعطلت المكينة، فأنت بهذا قد حصل منك تفريط في عدم النظر فيما تحتاج إليه السيارة، وتعدٍ في مشيك بها في طريق غير معبد لا تمشي فيه السيارات، ففي هذه الحالة لا خلاف في ضمانها.
ولكن الخلاف في نقطة واحدة والبحث محصوراً عليها وهي: فيما لو استعارها ليركبها فركبها وفي أثناء الطريق قبل أن يصل إلى الغاية التي استعارها من أجلها وسماها لصاحبها تلفت تحته، فهنا يأتي الخلاف، ولكن إن استعارها للفريش فقال له: أعطني دابتك، أو أعطني سيارتك أتوصل عليها للفريش -منطقة- وآتي، فلما وصل تعداها إلى المساجيد -منطقة- والذي سافر على الجمال يعرف المساجيد، أو الطريق الأول قبل طريق الهجرة.
استعارها لمكان معين ولكنه تجاوز المكان، فتلفت في حدود المجاوزة، فهو ضامن، ضامن الأجرة؛ لأن صاحبها لم يأذن له في تلك الزيادة، وضامن عينها إن تلفت في تلك الزيادة؛ لأنها تلفت بسبب التعدي.
إذاً: أهم مباحث العارية أولاً: الندب إليها وتذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتقول: إنه كان عندها ثوب قطري -نسبة إلى قطر- ثمنه خمسة دراهم وما كانت امرأة تتزين في المدينة إلا استعارته.
الآن يستأجرون من الكويفيرة أو يذهبون إلى المرأة التي تعنى بتهيئة النسوة أو العرائس فعندها أنواع من ثياب العرائس، وبعض الناس لا يقدر أن يشتري بدلة عروسة فيستأجر أو يستعير، وقد كان نساء الأنصار رضي الله تعالى عنهن ربما استعارت المرأة منهن ثوباً لتخرج إلى حاجتها إذا لم يكن عندها ثياب تخرج بها.
والذي يهمنا أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تعير ثياباً كانت عندها.
إذاً: هذا من استباحة المنفعة بغير عوض؛ لأنه مأذون فيه من صاحب العين، وعليه أن يرد العين بعد استيفاء منفعتها، وهذا من أهم المرافق بين المسلمين وتعاطفهم وتعاونهم.