إقامة الحد بالإقرار أو الشهود

بعض العلماء يقولون: يجب تكرار الإقرار لإقامة الحد، كما يشترط في الشهادة أربعة، فقالوا: يجب أن يقر الزاني على نفسه في مجلس الحكم أربع مرات بأنه زنى، لكن هل الرسول قال له: اسمع منها الاعتراف أربع مرات وما قيمة التكرار إذا كان الإقرار صادراً من الجاني؟ وإنما احتجنا لأربعة شهود؛ لأنهم يثبتون الزنا على غيرهم.

ولماذا يجب الأربعة الشهود في الزنا مع أن البكر يجلد، وتكفي شهادة رجلين في قطع الرقبة في القصاص؟ إذا شهد شاهد واحد بأنه رأى بعينه الزنا كالمرود في المكحلة، فهل الشاهد الواحد يقام به الحد؟ إذا شهد اثنان، هل نقيم بشهادتهما حداً على طرفين؟ لا، الزنا يكون باشتراك، ولا يتأتى من جانب واحد، وإذا ثبت الزنا بالشهادة، فسنقيم الحد على الطرفين، فلما كانت إقامة الحد على طرفين احتجنا إلى أربعة شهود، حتى نكون قد أقمنا الحد على كل واحد منهما بشاهدين، ولا يكون في ذلك هضم ولا يكون في ذلك نقص.

ويقول بعض الفقهاء: إنما تشدد الشرع في إثبات الزنا لدرء المفاسد والسمعة وعدم إشاعة الفاحشة وكذا وكذا، ولذا البعض يقول: ما أقيم حد زنا بشهادة قط إلى اليوم، فهو متعذر.

إذاً: لماذا الحد؟ قالوا: هو كالسوط المعلق، فكلما هم أحد بالزنا رأى هذا السوط يسقط عليه أو رأى تلك الحجارة تقذفه، فامتنع، ففيه إرهاب وتخويف، لكن هذا تشريع، والله سبحانه وتعالى أعلم بالحكمة، بخلاف القوانين الوضعية فقد تكون خالية من الحكمة، ويهمنا أن التشريع الإسلامي حكيم ثابت، وهو أقوى من رسوخ الجبال.

وقوله: (واغد -يا أُنيس - على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ، مفهوم المخالفة إذا لم تعترف فلا ترجم، فأتى إليها فاعترفت فرجمها، وهذه هي الوكالة في إقامة الحدود، وبالله تعالى التوفيق.

والراجح الاكتفاء في الإقرار بمرة واحدة، وليس بلازم أن يقر عدة مرات، والذين اشترطوا تكرار الإقرار، استدلوا بأن ماعزاً أقر فأعرض عنه، فجاءه من قبل وجهه فأقر فأعرض عنه، أربع مرات، قالوا: ليستخلص منه أربعة إقرارات ليثبت الحد عليه، لكن لا والله ما كان رسول الله ليحتال على ماعز حتى يستخلص منه أربعة إقرارات وهو لا يدري ذلك، ولكن كان يعرض عنه لعله يولي ويدبر، كما جاء أنه قال لرجل جاء بزان: (هلا سترته بردائك) ، والغامدية اعترفت وهي حامل، فقال: (اذهبي حتى تضعي، فرجعت ووضعته، ثم جاءت، فقال: اذهبي حتى تفطميه، فرجعت ثم جاءت به مفطوماً، وفي يده كسرة يأكل منها، فقال: اذهبي حتى تجدي من يكفله) ، فهل كان يردها هذا الرد من أجل أن تأتي بعد ذلك؟ لا، ولو أنها لم تأت ما طلبها، وبالله تعالى التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015