الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن عروة البارقي رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له أضحية) الحديث رواه البخاري في أثناء حديث وقد تقدم] .
لما كانت مهمة هذا الكتاب المبارك بيان أدلة الأحكام، فهو يذكر من الحديث محل الدليل، كالحديث السابق: (اشتركت أنا وعمار وفلان) الحديث؛ لأن موضع الشاهد منه: (اشتركت) ، وكذا حديث: (إذا أتيت وكيلي بخيبر فخذ منه) ولم يذكر كيف عرف أنه وكيله، وهذا له جانب آخر.
وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى البارقي ديناراً ليشتري له أضحية، والشاهد هنا أن عروة قد تصرف تصرف الوكيل، ونحتاج إلى إيراد كامل الحديث ليتبين مناط الاستدلال على الوكالة؛ لأن مجرد إعطائه ديناراً ليشتري له شاة قد لا يكون وكالة، فعندما أقول لك وأنت ذاهب إلى السوق: خذ هذا، واشتري لي كذا، فهذه مساعدة وتعاون، وليست وكالة.
والذي حصل من عروة أنه ذهب بالدينار واشترى شاتين، هو أعطاه ديناراً يشتري شاة واحدة، فهو تصرف، وهذا التصرف بحكم الوكالة.
ولما اشترى الشاتين، لقيه رجل وقال: أتبيع شاة من هاتين؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بدينار، فباع شاة من الشاتين بدينار، فهو باع ملك غيره، فالمال للرسول صلى الله عليه وسلم، واشترى الشاتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاز له أن يبيع ملك الغير بالوكالة.
فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خذوا شاتكم، وهذا ديناركم) ، فسأله عن خبره، فذكر له الخبر، فهل قال له: وكالتك مفسوخة؟ لا، بل قال: (بارك الله لك في بيعك وشرائك) ، فكان الناس يأتونه، ويلقون إليه أموالهم شراكة معه؛ بغية بركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لو أخذ حفنة من تراب ليبيعها لربح فيها! وعرف الناس أنه أصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انتهينا من باب الوكالة، وهذا تصرف تصرف الوكيل، وأقره وكيله على ما تصرف، ولو لم يأمره من قبل؛ ولهذا فإن الوكيل لو تصرف لمصلحة موكله وأقره الموكل على ذلك صح التصرف، وإذا تصرف ظاناً منه أنه لمصلحة موكله ولكن موكله رفض، فالتصرف باطل، ويكون لحساب الوكيل، وهو يتحمل مسئوليته، ولهذا تفصيلات عديدة في باب الوكالة.
إذاً: الوكالة انتهت، ولكن هل نقف على هذا بهذه السرعة؟ ونحن نعلم أن الحديث بحر، ودلالته لا تنتهي، والناس يتفاوتون في الاستنتاج وفي التفقه في معنى الحديث، فمن العلماء من قال: استنتجت من حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) أربعين مسألة!