قال رحمه الله: [وعن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه) .
رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما] .
يعني: لا يجوز للإنسان أن يأخذ من مال الغير ولو العصا، وفي بعض الروايات: (.
ولو عود أراك) ، والعصا يهشون بها على الغنم أو على البعير، فإذا كان لا يحل الشيء الحقير، فما هو أكبر منه من باب أولى.
ولماذا جاء المؤلف بهذا الحديث بعد حديث: (.
لأرمينَّ بها بين أكتافكم!) ؟ هذا نأخذه من ترتيب العلماء عند إيراد الأدلة، فهي لا تأتي عشوائية، إنما تأتي لغرض ولحكمة، فكأنه يقول: لا يهولنَّكم قول أبي هريرة: (لأرمينَّ بها بين أكتافكم!) ، انظروا إلى هذا الحديث! إذا كان لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس، فهل يحق له أن يكظم على نَفَسِه بخشب جاره؟! أيهما أكثر حقاً؟! العصا التي يأخذها وليس له حق فيها أو عيدان وجذوع النخل يضعها على ظهره؟! أيهما أكثر كلفةً يا جماعة؟! الخشب، فوضع الخشب على الجدار، فيه التحكُّم في ماله.
إذاً: موضوع الحديث الأخير: لا يحق لإنسان أن يأخذ عصا، وفي بعض الروايات: (.
متاعاً ... ) ، ولا يأخذه جاداً ولا مازحاً، فإذا كان لا يجوز للإنسان أن يأخذ متاعاً قليلاً ولو وصل إلى حد عصا؛ فجريدة من النخلة أو عود من الأثل، أو عود خيزران، لا يحق له أن يأخذه من أخيه بغير طيب نفس، فكيف يستحل لنفسه أن يُلزم جاره بخشبه؟! إذاً: حديث أبي هريرة إنما يكون من باب الإرفاق والتعاون والمسامحة على قانون: (لا ضرر ولا ضرار) ، فإن كان جدارك لا يضره أن أضع عيداني عليه، وإقامتي لجدار بجوار جدارك فيه تكلفةٌ عليَّ، فما الذي يمنعك أن تسمح لي أن أحط الأعواد وأسقف، ما دام أنه لا توجد مضرة عليك، ولا يوجد إجحاف على الجدار؟! فهذا من باب الإرفاق، وليس من باب الإلزام، والله تعالى أعلم.