قال عليه الصلاة والسلام: (رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك) .
رجل تحمل حمالة أو امرأة، وذلك بأن تكون هناك خصومة بين الناس، أو نزاع، ويشتد الأمر بين الطرفين، ويحتاج الأمر إلى تدخل من يصلح بينهما، ويكون النزاع على مال، فيأتي إنسان خير ذو مروءة فيتحمل الشيء الذي تنازعوا عليه، وكل يدعيه لنفسه، فهذا تحمل حمالة لغير منفعته الخاصة، ولكن للإصلاح بين الناس.
وسيأتي في هذا الكتاب باب الصلح وحكم الجوار، ويبين فيه أقسام الصلح، وهذا الباب من أهم أبواب الفقه، قيل: إن جبريل عليه السلام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة تتمنى أن تكون من أهل الأرض لكثرة ما ترى من ثواب عملين، وهما: الإصلاح بين الناس، وسقي الماء، فالذي يتحمل حمالة فهو ساع للإصلاح بين المتنازعين، وإن كان أصل النزاع على مال أو نفس تحمل الغرم، كما قيل: سعى ساعياً غيض بن مرة بعدما تبذل بين العشيرة بالدم تحمل ديات الفريقين، وأصلح بينهما، فالذي تحمل هذا لمصلحة الطرفين وجبت مساعدته، ولا نتركه يتحمل من ماله، فله أن يأخذ من الزكاة، وله أن يسأل ولو كان وفير المال؛ لأنه لم يتحمل لمصلحة شخصه، وإنما توسط مروءة وإصلاحاً، فلو تركنا كل إنسان يتدخل بالإصلاح بين الناس ويتحمل ما يدفعه للإصلاح من عين ماله، لأحجم الناس عن هذا التدخل، وتركوا هذا العمل الخير، وبقي النزاع بين الناس، ولكن ما دام أنه تحمل الغرم لمصلحة الآخرين، فعلى الآخرين أن يساعدوه، وأن يعطوه ما سأل حتى يبلغ ما تحمله، فإن كانت القضية تحتاج إلى تحمل ألف، أو مائة ألف، أو مائتين ألف ريال أو أكثر أو أقل، فإذا أصاب بمسألته ما يوفي عنه حمالته كف عن المسألة؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فما دامت الحمالة موجودة فله حق في السؤال، وما دامت قد زالت وارتفعت فليس له حق، ووجب عليه أن يكف عن المسألة.