قال رحمه الله: [وعن عمرو بن الشريد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) رواه أبو داود والنسائي، وعلقه البخاري، وصححه ابن حبان] .
المفلس الذي ليس عنده وفاء لمجموع الديون، تباع موجوداته، ويسدد الغرماء بحصص متساوية، وهذا حكم المفلس الذي لم يجد ما يسدد ديونه، فإذا كان غنياً ولم يسدد فهل هو مفلس؟ لا، فالمال موجود لكن صاحبه مماطل، والمطل هو التأخير والتسويف والروغان: قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها ويقصد الشاعر أنها لا تفي له بوعد، وتماطله وهو معنى أي: تعبان، فالمطل هو التسويف والتأخير، فالغني يجب عليه أن يسدد الدين في أجله، فإن لم يسدد فهو مماطل، وفي بعض الروايات: (مطل الغني ظلم) .
وقوله: (يحل عرضه وعقوبته) أي: يحل عرضه بشكواه وذكر حاله، فيقول: هذا فلان مماطل، وهذا لا يعتبر غيبة بالنسبة للدائن، لأنه متشك من حاله، وليست هذه من باب الغيبة، فأحل عرضه للدائن بأن يتكلم فيه، وما كان يحق له ذلك، وغير الدائن ليس له حق أن يتكلم عليه؛ لأنه ليس له حق عنده.
ومعنى قوله: (وعقوبته) أي: حبسه، ويقولون: المفلس يحجر عليه ويباع ما معه، والغني يحبس ويلزم بالدفع كرهاً، فإن لم يدفع فقال الأئمة الثلاثة: الحاكم يبيع من ماله لغرمائه، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: أنتم لا تملكون المال فتبيعونه، ولا يجوز للإنسان أن يبيع ما لا يملك، لكن يضيق عليه في حبسه حتى يتولى هو البيع ويفك نفسه، والذي يهمنا أن الغريم قسمان: واجد يماطل، ومفلس لا يجد، فالمفلس يباع ما تحت يده، وليس للغرماء فوق ذلك، كما لو كانت موجودات المفلس لا تفي بالديون مثلاً: كانت خمسين في المائة من الديون، فماذا يفعل الغرماء في بقية حقوقهم؟ لا شيء، وكما قال سبحانه وتعالى فيما يتعلق بتصفية الربا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] .