شرح حديث: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)

قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى) رواه البخاري] .

أتى المؤلف رحمه الله بالحديثين الأولين في موضوع السلم، وأرجو من الإخوة أن يرجعوا في هذا الباب إلى الموسوعات الفقهية؛ لأن هناك زيادات يستفيدها الإنسان لتوفية هذا الموضوع، وما تقدم في موضوع السلف؛ في عقده وشروطه وجنسه وزمنه ومقداره.

إلى آخره، لعل فيه الكفاية على رءوس مسائله، ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى الموضوع الثاني؛ وهو موضوع القرض؛ فقد أتى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الوعد والوعيد لمن أخذ أموال الناس قرضاً، بدليل قوله: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه) ؛ لأنه أخذها لحاجة وبنية سليمة، وقد دفعته الحاجة إلى ذلك، وهكذا أمور الحياة، تزيد وتنقص، (ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى) ، سواء كان في حاجة نفسه أو غيرها، وأخذها تبذيراً، أو من أجل إتلافها على صاحبها ولم ينو الوفاء، وإنما احتال عليهم، وما أكثر الحيل في ذلك! والأمثلة على هذا قد ترى من الغرائب: يذكر أن رجلاً أتى إلى قرية يبيع ويشتري، فنقصت عليه ألف دينار، فطاف في تجارها فلم يجد من يدفع عنه؛ لأنه غريب، فأتى تاجراً فقال له: أدفع عنك، ولكن بشرط: أن تأتيني بكفيل، قال: الكفيل موجود، قال: أين هو؟ قال: الله، فقال التاجر: أعطيتك والله الكفيل، وكان موعد الوفاء بعد سنة، فذهب الرجل بالمال، وجاء الموعد، فانتظر المقترض سفينة يركب فيها إلى صاحب الدين من أجل أن يوفيه حقه فلم يجد، وكل أسبوع يذهب للانتظار ولكنه لا يجد سفينة، وصاحبه هناك ينتظر أن تأتي السفينة بالرجل فلا يجد شيئاً، فيئس هذا من مجيء الرجل، ويئس ذلك من مجيء سفينة، فأخذ المقترض خشبة وحفر داخلها، ووضع القرض في الخشبة وأقفل عليه، وجاء إلى البحر وقال: يا الله! اقترضت بكفالتك، وهذا ديني، فسد عني ديني وفك كفالتك، وألقى بها في البحر، ثم قدر الله أن يذهب صاحبه إلى البحر لينتظر مجيء السفينة كالعادة، فوجد خشبة في الشاطئ فأخذها، وقال: لو أني أستدفئ بها، فحملها فإذا بها ثقيلة، فقال: لعل هذا من الماء، ولما وصل إلى البيت مغضباً ألقى بها فانكسرت عن الدنانير، ومعها ورقة مكتوب فيها: هذا ديني بكفالة الله، فإن وفى إليك فالحمد لله، وإلا فهو في ذمتي، وبعد مدة وجد المقترض سفينة فذهب ليتاجر في تلك البلاد، فمر على صاحبه وفي يده الألف، وقال له: لقد طال علي الزمان، ولم أجد سفينة، ولم يذكر له أمر الخشبة، وقال له: هذا دينك، فقال له: لقد وفى الله عنك، قال: أوصلت الخشبة؟ قال: نعم، فقال: الحمد لله! (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها ليتلفها) ، وهذا أمر بيّن واضح، والجزاء من جنس العمل، وهناك نصوص أخرى جاء فيها: (كان الله في عونه حتى يؤدي) ، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وبعض الصحابة ربما يقترض من غير حاجة، فقيل لهم في ذلك، فقالوا: (التماساً لقوله صلى الله عليه وسلم: كان الله في عونه حتى يؤدي، فأحب أن يكون الله في عوني دائماً) .

قوله: (أدى الله عنه) ، أي: بأن ييسر له بعد عسر، أو يوسع عليه بعد ضيق، أو يهيئ له من يدفع عنه، كان له عون من الله حتى يؤدي هذا الدين، كثيراً كان أو قليلاً.

ويقولون: إن الزبير كان مديناً بكثرة، وكانت عنده تركة واسعة، فقال لولده: يا ولدي! إذا أنا مت فقل: يا رب الزبير! أد عن الزبير، فأخذ يبيع من تركة أبيه حتى وفى جميع دينه، وكان لا يظن أنها توفي بالنصف، بل وزاد للورثة منها! وعلى هذا: فإن أموال الناس ودائع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه) ، والأعمال بالنيات، فإذا اقترض المحتاج وهو ينوي الأداء أعانه الله في قضاء الدين، ومن كان على عكس ذلك فهو على العكس، وهذا ترغيب في حسن النية بالاقتراض: أن ينوي الأداء والله يعينه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015