لابد في العين المسلف فيها: أن تكون معلومة للطرفين، وأن يغلب على الظن وجودها عند التسليم.
أما إذا كانت نادرة ويغلب على الظن عدم وجودها؛ فيكون إحراجاً على المشتري، لذلك لابد في المسلم فيه من تحديد وبيان يمنع النزاع عند تسليم السلعة، فإذا أسلم في حبوب فيكون نوعها معروفاً، وإذا أسلم في تمور فيكون نوعها معروفاً، والمدينة كان فيها أكثر من مائتي صنف من التمر، فلابد أن يسمي الصنف الذي وقع عليه العقد، ويكون متميزاً معروفاً عند الطرفين، وإذا أسلف قمحاً فلابد أيضاً أن يحدد النوع؛ لأن القمح أنواع: البيضاء، والسمراء، والشامية، والحجازية، ولابد أن يكون المسلم فيه مسمى.
وكذلك الكيل لابد أن يكون معلوماً من جهتين: الجهة الأولى: مقدار المكيل: بالصاع، أو بالإردب، أو بالقفيز، أو بالتنكة، وتكون مشاعة عند الناس؛ فلابد أن يكون الكيل معلوماً للطرفين حجماً ومقداراً، وإذا كان بالصاع؛ فهل هو الصاع الشامي أو المدني؟ وهل هو خمسة أو عشرة؟ بحيث أنه إذا جاء الأجل يقول: هذا عقدك عشرة آصع من تمر برني، أو هذا عقدك عشرة آصع من البر الشامي حباً، حتى لا يكون هناك نزاع.
الجهة الثانية: إذا كان المسلم فيه زيت أو نحوه - كما سيأتي- لابد من تبيين نوعية الزيت؛ هل هو من الزيتون، أو السمسم، وكذلك المقدار، فإذا جاء الأجل سلمه النوع والمقدار الذي تعاقدوا عليه.
هذا المكيل والموزون، وإذا كان المسلم فيه ليس مكيلاً ولا موزوناً، فهل يصح فيه السلم أم لا يصح؟ ينص الحنابلة وغيرهم: أن غير المكيل والموزون؛ وهو المعدود، إن كان يصح أن يوصف ولو وصف استوفت الأوصاف عينه، بحيث يتميز عند التسليم، ولا تقع المشاحة؛ جاز.
والآن في الوقت الحاضر نحتاج إلى هذا، ولنفرض وقوعه في: كاسات الشاهي، أو الصحون الصيني، أو كاسات الماء، أو الفنايل، أو الشماغ، فإذا أردنا أن نشتري أو نبيع سلماً، فكيف سيكون ذلك؟ إن كان يمكنك أن تصف هذا اللباس بوصف معروف عند الناس يميزه عن غيره، بحيث أننا لو جئنا عند التسليم لا نتنازع في المعقود عليه، وذلك بذكر النوع والخامة؛ هل هو قطن أو كتان أو حرير، وهناك قاعدة في علم الغزل: كم في الـ (سم) من مدَّة خيط؛ السدى واللحمة، ويعرف عندهم بكثافة النسيج وخفته، فتأتي وتأخذ المسطرة وتنظر كم خيطاً في الـ (سم) ، وكلما كان الغزل رفيعاً كان أقوى وأكثر، وكلما كان متيناً كان أضخم وأضعف، فإذا أمكن وصفه بكل الصفات بحيث أنه لا يختلط مع غيره صح.
والآن توجد ماركات وأسماء معينة وقد تشتبك في الأسماء، ولكن المقصود: الوصف الذاتي؛ وذلك مثل الملابس الجاهزة؛ ماركة كذا، ورقم كذا، وقماش كذا، فإذا وصف الملابس وقياساتها، ونوع نسجها، ولو أمكن أن يذكر أيضاً الشركة المنتجة بحيث أنها لا تختلف مع إنتاج شركة أخرى لكان أفضل، فإذا توافرت هذه المواصفات فلا مانع.
ومثلها الصحون والملاعق، وأثاث المنازل.
يقول الحنابلة: أما الأمور التي لا تنضبط كالقماقم والأسطال؛ فلا يسلم فيها، والقمقم: عبارة عن إناء مستدير يختلف حجمه، وتختلف قاعدته، ووسطه، وعنقه، فلا نستطيع أن نحدد قدر الضيق ولا السعة، ولا أن نحدد كم بين الضيق والوسط والقاعدة.
فهذه لا تنضبط، ولكن إذا أمكن ذلك بالإنتاج المكنيكي الآن، وذلك مثل القالب الواحد الذي يصب آلاف الأسطال بمقياس واحد، وأمكن تحديد قاعدته ومحيطه، وذكر الوصف الذي يحدده ويميزه عن غيره، هل من هو من زجاج أو فضة، فإذا أمكن الوصف وأن يحدد المسلم فيه بحيث لا يختلف مع غيره فلا مانع.
إذاً: (من أسلف في شيء؛ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم) ؛ أي: وصفات معلومة، والغرض من ذلك: منع النزاع عند التسليم، فكل ما يسبب نزاعاً عند التسليم بعدم التميز أو وصف مشترك لا يصح أن يكون سلماً.
وكل ما يقضي على النزاع عند التسليم وليس فيه وصف مشترك مع غيره صح فيه السلم.
وعلى رأي الجمهور: أن السلم يكون في كل ما يمكن وصفه، ولا يكون قاصراً على المكيل والموزون كما قال البعض؛ لأن هذا تحجير، وقد جاء النص: (من أسلف في شيء) ، و (شيء) أعم العمومات، حتى أنه يشمل المولى سبحانه، قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:88] .
إذاً: هذا موضوع السلف، أو موضوع السلم.