بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تبيع بخرصها كيلاً) متفق عليه، ولـ مسلم: (رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً] .
(رخص) يعني: أعطى رخصة في شيء ممنوع.
(رخص في العرايا أن تباع) (أن) تفسيرية، تفسر معنى العرايا التي رخص فيها رسول الله.
(أن تباع -النخلة أو النخلات- بخرصها تمراً) ، تباع ثمرة النخلة والنخلتين وهي رطب بخرصها تمراً، وصورة بيع الرطب على رءوس النخيل بخرصها تمراً كيلاً معلوماً تقدم لنا في المزابنة، والمزابنة: هي بيع الرطب على رءوس النخيل بخرصه تمراً مكيلاً.
مثلاً: هذا البستان فيه مائة نخلة، فتعطيه خمسين وسقاً من التمر الآن، ويدع لك النخل، لكن عندما تأخذ رطباً، وتجفف التمر، تحصل على خمسين أو أربعين أو ستين، هذا ممنوع، وهو من المزابنة.
(رخص في العرايا) ما هي العرية؟ سيأتي بعد البيان الإجمالي (بخرصها تمراً) حالاً، ويدفع التمر لصاحب النخل، وكيف رخص في هذا وهي مزابنة؟ قال: لكي يأكلها المشتري رطباً لا أن يجففها، وموجب الترخيص فيها الرفق بالمسلمين، وهي: أن يأتي إنسان لصاحب بستان يأكل الرطب، وجيرانه ليس لديهم المال ليشتروا نخلة أو نخلتين، ويجوز أن تشتري ثمرة هذه النخلة من رطب بمبلغ كذا نقداً، تسلمه الآن أو لاحقاً، لا مانع، مثل الذين يشترون الثمر كله ويتولون أمره، ينزلون منه رطب، يجففون منه، هذا بيع وشراء طبيعي، لكن جيران البستان ليس عندهم نقد يشترون رطباً يتفكهون به كما يتفكه الناس، وعندهم تمر، جاءهم زكاة من فاعل خير، إذاً الناس يأكلون رطباً جنياً وهؤلاء يأكلون تمراً جافاً من العام الماضي، قالوا: نريد أن نأكل رطباً نحن أيضاً، فهؤلاء الناس الذين لا يستطيعون شراء رطب النخلة نقداً وعندهم تمر، رخص لهم صلى الله عليه وسلم أن يشتروا ذلك عرية، وسميت النخلة التي يباع رطبها بالتمر خرصاً عرية ليست عارية، بل عرية من عريانة؛ لأن العارية من الاستعارة ويستعير، لكن عرية عريانة عن ماذا؟ عن حكم المزابنة بمقتضى الرخصة، فخرجت عن حدود المزابنة، لماذا؟ لخصوص هؤلاء الناس ليتمكنوا من مشاركة أصحاب البساتين والنقود من أن يأكلوا رطباً مع الناس.
وهنا أحكام عديدة؛ من أهم تلك الأحكام في رخصة العرية: أن تكون في حدود التفكه، هل يجوز أن يشترى البستان كاملاً بخرصه تمراً ويقال: عرية أتفكه؟ هل كامل البستان للتفكه أو للتجارة؟ للتجارة، إذاً: في حدود التفكه.
إنسان عنده أسرة من شخصين أو ثلاثة أو أربعة هؤلاء يكفيهم نخلة نخلتين، فيأخذ بقدر ما يكفيه للتفكه.
فإذا اشترى على قدر ما يحتاج بتقديره، وبعد أن اشترى قال: ما لنا والرطب! دعنا نجففها وتصير تمراً لعلنا نحصل على أكثر مما دفعنا.
هذا لا يجوز.
إذاً: الشرط الأول: أن يكون في حدود التفكه، الشرط الثاني: ألا يتعمد ترك الرطب على الشجر حتى يثمر؛ لأنه بهذا يكون قد باع تمراً بتمر مؤجلاً، ويكون قد استغنى عن الرطب، وما دام أنه استغنى عن الرطب فترجع العرية إلى المزابنة مرة أخرى، إذاً: رخص في بيع العرية والعرية هي: النخلة أو النخلات يشتريها صاحب العيال بخرص ما فيها من رطب تمراً يدفعه حالاً عند العقد ولا يؤجله.
ثم هو يباشر أخذ الرطب للأكل، وما سبقه عن الأكل وأتمر فلا بأس؛ لأنه لم يتعمد تركه حتى يجف ويصير تمراً.
وإذا زاد من رطبه ماذا يفعل في هذا الزائد هل يتركه على الشجر حتى يجف؟ لا، له أن يبيع أو أن يهدي؛ لأنه أخذ منه في حدود طاقته.
قال رحمه الله: [ولـ مسلم (رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً) ] .
رخص أن يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً، أي: يأكلها أهل البيت، إذاً العرية: هي بيع الرطب بخرصه تمراً، وهو عين المزابنة، لكن لما كانت للحاجة لأهل البيت لكي يأكلوا رطباً رخص في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.