قال رحمه الله: [وعن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (إني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطعام بالطعام مثلاً بمثل، وكان طعامنا يومئذٍ الشعير) رواه مسلم] .
رجع المؤلف رحمه الله إلى البر والشعير، وكان هذا الحديث محله هناك مع تلك الأصناف، لكن كأن المؤلف يريد أن يختم بحث الربويات المطعومة بما هو أعم؛ لأن المتقدم في حديث عبادة بن الصامت ذهب وفضة وتمر وبر وشعير وملح، وهذه أعيان مسماة مميزة معروفة، وهل نقتصر عليها كما اقتصر الظاهرية أو نلحق بها غيرها؟ نلحق بها كل ما وجدت فيه العلة التي توجد مشتركة بين تلك المسميات، وتقدم لنا بأن الكيل والوزن فقط علة عند بعض العلماء، وقالوا: كل مكيل أو كل موزونٍ يجري فيه الربا، وفي حديث الجنيب: (وكذلك الميزان) ، فإذا بيع بجنسه فلا بد من المماثلة ومن القبض، أي: الحلول والتقابض.
الذي يمنع من الإلحاق يقول: الرسول ذكر أشياء، وسكت عن الباقي، فما لنا شغل فيه، والآخرون يقولون: ما دام قد اشترك في المعنى فيدخل، كما قالوا: الزبيب والتمر، والبر والشعير، فهذه مشتركة في المعنى، وكذلك الذرة والبر، وكذلك الدخن وغيره من المكيلات، فقالوا: نلحق، وبعضهم وسعوا في العلة، وبعضهم ضيقوا فيها، وبعضهم زادوا وصفاً آخر وقالوا: قوتاً، وبعضهم قالوا: مقتاتاً ومدخراً.
إذاً: ألحقوا المسكوت عنه بالمنطوق به بالعلة، جاء المؤلف وقال: هذا نص موجود، فالطعام، (أل) هنا لاستغراق الجنس، كل طعام، ولهذا هناك من قال: العلة كل مكيل مزكى، وبعضهم قال: ذكر الطعام ولم يشترط الاقتيات، فأجرى الربا في اللوبيا الحمص الفاصوليا البزاليا الفول، وكل هذه قطنية، ومنع الربا فيها لأنها طعام تؤكل، فأخر المؤلف رحمه الله حديث الطعام بالطعام لعمومه وشموله، فهو أوسع من مدلول المسميات الأخر، فكأنه يقول: إن من ألحق المسكوت عنه بالمنطوق به عنده نص ولا مانع أن يثبت الحكم بنص وقياس وإجماع، لا مانع أن تتوافر على تشريع الشيء كل الأصول: إجماع وقياس ونص من كتاب أو سنة.
إذاً: المؤلف أتى بهذا الحديث بعد ما ذكر من الصبرة، ومن الجنيب، والجمع وغير ذلك من المسميات، وهنا جاء طعام بالطعام.
ثم كلمة الصبرة، هل بين لنا نوع هذه الصبرة التي لا يجوز بيعها بجنسها مكيلاً أو كل صبرة من طعام؟ كل صبرة من طعام، إن كانت براً إن كانت شعيراً، إن كانت تمر، إن كانت لوبيا، إن كانت فولاً، إن كانت إن كانت ما دام أنه يدخل تحت عنوان الطعام بالطعام.
وكون الراوي يقول: (وكان طعامنا يومئذٍ الشعير) لا يقصر المعنى العام في الجنس على طعامهم، فطعامهم في ذاك الوقت هو الشعير، وطعام غيرهم البر، وطعام غيرهم اللوبيا، وطعام غيرهم كذا، ونحن طعامنا اليوم الأرز، ولهذا يدخل الأرز مع التمر ومع البر في عموم طعام.
فنلحقه بالقياس كما تقدم، والعلة هي كل مكيل وقوت ومدخر، إذاً: تساوى مع البر وتساوى مع الشعير في علة الربا، فيكون الرز أيضاً ربوياً، وهذا ما يشير إليه تأخير المؤلف رحمه الله لإيراد هذا الحديث (الطعام بالطعام) .