قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم) الحجامة هي: إخراج الدم من الجلد من غير السبيلين، وكما يقولون: هناك الحجامة وهناك الفصد، والحجامة تكون على قسمين: حجامة سائلة، وحجامة جافة.
والحجامة الجافة تكون بإخراج الهواء، وكيفيتها عندهم: إذا كان هناك ما يسمى بالروماتيزم أو بالالتهاب العضلي أو نحو ذلك فإنه يؤتى بوعاء مثل الكأس الكبير، ويؤتى بشعلة نار فتوضع على قطعة من العجين أو على شيء يثبت على العضو الذي فيه الألم ويكفأ الإناء على هذه الشعلة متمكناً من الجلد، فإن من طبيعة الشعلة أن تحرق الأكسجين الموجود في تجويف الكأس، وعند احتراقها تتطلب هواء، والكأس ليس فيه هواء، فيخرج الهواء من داخل الجسم بسبب جاذبية الشعلة، فإذا كان هناك رطوبة أو هواء أو برودة في الجسم جذبتها تلك الشعلة ثم تنطفئ لعدم وجود الأكسجين؛ لأن النار لا تشتعل بغير أكسجين، فهذه هي التي تسمى (حجامة جافة) .
والحجامة السائلة: تكون بإخراج الدم الزائد أو الدم الفاسد من الجسم، وهذا له أهل اختصاص يفعلونه، ويخرجون الدم من الجلد؛ وذلك بتشريط الجلد تشريطاً خفيفاً أقل من الملليمتر، أي: بمجرد جرح سطح الجلد، ثم يوضع الكأس مكان التشريط ويجذب بأي وسيلة من الوسائل، فيسحب الدم من الجلد ويخرجه إلى الخارج، وهذه هي الحجامة السائلة.
والفصد: هو أن يعمد إلى العرق بالذات ويقطعه، فيخرج الدم نافراً من ذلك العرق.
والفصد والحجامة معروفان عند العرب من القدم، فقد كانوا يستعملون الحجامة للتداوي، ويستعملون الفصد للأكل، فكانوا يأتون إلى البعير أو إلى الثور ويقطعون عرقاً نابضاً في جسمه، فيسكب الدم، فيتلقونه في إناء، ثم بعد ذلك يحمُّون التراب ويصبون هذا الدم في ملة التراب فيجمد ثم يأكلونه، أو يأتون بالجزور الذي ذبح، ويصبون هذا الدم في أمعاء الذبيحة، ويدفنونها في الملة، فيجمد الدم داخل الأمعاء فيأكلونه، هذا هو الفصد، وأما استعمال الدم وأكله فقد جاء الإسلام ونهى عنه.
فالحجامة نوع من أنواع العلاج، وقد أطال ابن القيم رحمه الله وغيره في إيراد النصوص التي جاءت بالتداوي بالحجامة، ومما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في التداوي بها قوله: (لو أن دواءً يصل الداء لوصلته الحجامة) يعني: لو أن دواءً يصل الداء بذاته لقوة فاعليته لوصلته الحجامة، وقال: (احتجموا لا يضير بكم الدم) أي: لا يهلككم الدم.