قال رحمه الله تعالى: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع.
فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة) ، متفق عليه] .
معنى هذا الحديث: أن رجلاً كان يبيع ويشتري ولكنه كان يخدع في البيع، وقيل: كان قد أصيب في رأسه، وحصل في عقله شيء في المساومة وفي إدراك قيم الأشياء، فكان يبيع ويشتري ويغبن كثيراً، فاشتكاه أهله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستدعاه وقال: دعك من البيع والشراء الذي خسرت أهلك فيه، فيقول: يا رسول الله! ما لي غنى عن البيع والشراء لا أستطيع أن أترك السوق ولا البيع والشراء، لابد لي من البيع والشراء.
فقال له صلى الله عليه وسلم: إذا بعت أو اشتريت فقل لمن تتعاقد معه: لا خلابة.
هذه الكلمة بمعنى: لا نقص، إن كنت أبيع لا نقص في الثمن، وإن كنت أشتري لا نقص من جانبك تزيده علي في السعر، فكان إذا تعاقد مع أحد يقول له: لا خلابة.
وإذا تناكر مع إنسان يأتي واحد من الصحابة يشهد له بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه هذا الحق، والمؤلف يسوق هذا هنا لبيان جميع أنواع الخيار المتبقية، وهي تقوم على خيار الغبن.
فهذا الرجل كان يغبن في البيع والشراء، وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم حق النقض فيما يتعاقده إن ثبتت زيادة عليه في السعر إذا اشترى، أو ثبت عليه نقص في البيع إذا باع، فكان إذا اشترى سلعة ورجع بها إلى أهله وأخبرهم بالثمن إن أقروا ثمنها مضت، وإلا رجعوا على البائع واسترجعوا الثمن.
وهنا المبحث في هذا الحديث: هل لكل إنسان أن يقول: لا خلابة؟ فبعض العلماء يقول: لكل إنسان أن يقول ذلك؛ لأن هذا منع للغبن.
والآخرون قالوا: لم يجعل ذلك للعموم، ولكن جعلها لهذا الشخص بذاته فقط، فلا تصح إلا له ولمن كان مثله؛ بأن كان سفيهاً، أو لا يحسن المساومة.
إلخ، فإذا وجد من في مثله وفي تلك الحالة، وقال هذه الكلمة: لا خلابة، فهو على ذلك، أما عامة الناس، والذي يتعاطى البيع والشراء، والذي يتعالم ويجعل نفسه أشطر الناس، ويحصل ويحصل.
لو قالها لا يسمع منه.
والمؤلف ساق هذا الحديث هنا مع الحديثين المتقدمين -خيار المجلس وخيار الشرط- ليبين كل نوع من أنواع الخيار والتي يذكرها العلماء إلى سبعة أصناف داخلة تحت هذا الحديث، وهناك نوع يسمى باسمه: خيار الغبن، وخيار الغبن عند الأئمة تقدم بعض أفراده، ويثبت إذا تلقى الركبان، وإذا وقع النجش، وللمسترسل الذي لا يعرف الأسعار، وفيما يتعلق بنوع من البيوع: التولية والمرابحة والمواضعة، والتولية: هو أن تأتي للتجار: بكم هذه السلعة؟ فيقول: أنا لا أريد منك مكسباً، ولا أن تخسرني، أبيعها لك برأس مالها عشرة.
قلت: اشتريتُ.
فتبين أن رأس مالها ثمانية، فهذا غبن، ودلس عليك في السعر، فيرد حصة الربح.
وكذلك النقص، يقول: أنا لا أريد ربحاً ولا حتى رأس مال، أنا أتنازل لك بعشرة في المائة من رأس المال، كم قيمتها؟ مائتين، ثم تبين أن قيمتها مائة وثمانون، فيكون قد أخذ عشرون زيادة عن رأس مالها، أو قال: أنقص لك ثلاثين، وتبين أنه زاد الثلاثين في سعرها، أي: اختلف قوله في المرابحة، في المواضعة، في التولية؛ فحينئذ يأتي الخيار.
كذلك إذا باعه سلعة فوجد فيها عيباً لم يكن يعلمه؛ دلسه البائع أو أخفاه عليه، ثم اكتشف ذلك فله خيار العيب.
وكذا إن باعه موصوفاً في الذمة، والموصوف على قسمين: موصوف بعينه، مثلاً: كان في سفر على بعير له، فقال له: بعني بعيرك الذي كان معنا في السفر وكنت تركبه، ما صفاته؟ كم عمره؟ كم يحمل؟ كم يستطيع الصبر على العطش؟ وذكر أوصافاً معينة، فلما أخذت البعير المعين وجدت فيه نقصاً، عندها لك الخيار.
أما إذا قلت: أريد بعيراً صفته وصفته وصفته.
قال: عندي، ولم يعين لك بعيراً بعينه، فجاءك ببعير فوجدت فيه نقصاً من تلك الصفات، فلا خيار لك، وعليه أن يأتيك بغيره حتى يستوفي لك الصفات التي أردتها في أي بعير من إبله.
وهكذا -أيها الإخوة- أنواع الخيار ستة أو سبعة على ما تقدم، والذي ساقه المؤلف رحمه الله في هذا الباب يعتبر الأصل الذي يدور عليه، وجميع التفريعات عليه توجد في أمهات الكتب.
وبالله تعالى التوفيق.