قوله: (إذا تبايع الرجلان؛ فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه) فالتفرق يسقط خيار المجلس، وكذلك يخير أحدهما الآخر وهما في المجلس البائع قال للمشتري: ما رأيك؟ شاور، اختر، أتمضِ البيع؟ خيره في المجلس فاختار البيع، وهما في المجلس، ثم بعد فترة وهما في نفس المجلس، قال: تراجعت.
لماذا؟ قال: لا زلنا في المجلس: (ما لم يفترقا) ونحن ما افترقنا، يقول له: لا؛ لأن صاحبك خيرك فاخترت إمضاء البيع فلا خيار لك.
(أو يخير أحدهما الآخر) سواء كان الذي خير صاحبه البائع واختار المشتري الإمضاء، أو الذي خير صاحبه المشتري واختار البائع المضي في البيع، فإذا خير أحدهما صاحبه وقال: تعاقدنا، تبايعنا؟ قال: نعم.
قال: لك خيار؟ قال: لا، أنا جزمت وانتهيت، عندها يكون انتهى العقد، ولا خيار للمجلس بعد ذلك، أو يقول أحدهما: أنا من جانبي أمضيت، والبائع: أنا بعت وانتهيت، وأنت شاور وفكر، ولك الخيار إلى الغد، أما أنا فلا خيار لي.
أصبح الخيار هنا لواحد، والثاني أسقط خياره وأعطى صاحبه مهلة، فيذهب هذا صاحب الخيار ويأتي في المهلة أو قبلها ويقول: أمضيت البيع، انتهى.
فإذا جاء وقال: ما ناسبني -بشرط ألا تنتهي المهلة- فله الحق في تلك المدة أن يختار وأن يرد السلعة أو أن يمضي العقد.
إذاً: بالافتراق، أو بتخيير أحدهما الآخر ينتهي خيار المجلس.
وينبغي التنبيه أيضاً على أن هناك أنواعاً من البيوع لا يدخلها خيار المجلس.
منها: بيع السلطان؛ فإذا قام السلطان ببيع مال إنسان مدين ليسد دينه، وأعلن عنه، ورسا المال على شخص، فلا يحق للذي رسا عليه البيع وهو في المجلس أن يقول: لي خيار المجلس.
ومنها: بيع التركة بين الورثة الورثة لهم تركة وأرادوا أن يبيعوها ليتقاسموها، وسواء واحد منهم أو خارج عنهم اشترى شيئاً من التركة فليس له خيار فيما اشتراه.
ومنها إذا كان يشتري من نفسه لنفسه بأن كان ولياً أو وصياً على صبي، وأراد أن يبيع من ماله للصبي أو يشتري من مال الصبي لنفسه، فإذا تم العقد، فلا خيار له؛ لأن الخيار للنظر في المصلحة، وكذلك بين الشركاء، إن كانوا شركاء في شركة، وأرادوا أن يتفاصلوا وعرضوا الموجود للبيع، فاشترى أحد الشركاء أو جاء إنسان من الخارج واشترى من سلع الشركة، فلا خيار مجلس في ذلك.
فهذه: بيع السلطان والتركة والشركة، ومن كان متولياً طرفي العقد في صفقة، فلا خيار لواحد من هؤلاء، كما أنه هنا لا خيار بعد التفرق، ولا خيار بعد أن يخير أحدهما الآخر.
قال: [ (فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع) ] .
هذه صورة ثانية: تبيعني هذه السلعة؟ - لا، أنت لست مشترياً، أنت ستذهب تشاور أمك أو زوجتك أو كذا، أنا أريد بيع وشراء ليس فيه خيار، خيره قبل العقد، قال: لا مشاورة ولا خيار، نتبايع وننهي البيع الآن؛ فتبايعا.
ليس له أن يرجع ويقول: لي خيار المجلس، وإن كان بعض الحنابلة يجيز له ذلك، لكن الجمهور على أنه ما دام خيره من قبل وخشي من هذا التطويل، وقال: ما هناك خيار، ونتبايع على ألا خيار بيننا.
فقال: قبلت.
وتبايعا على ألا خيار بينهما، فقد تم البيع.
قال: [ (وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع؛ فقد وجب البيع) ] .
لم يقل البائع: أنا تركت البيع ورجعت.
ولم يقل المشتري: أنا تركت البيع ورجعت بعت، اشتريت، في أمان الله، تفرقا، بعد هذا التفرق ما حصل من واحد منهما أنه رجع، أو طلب الفسخ، أو الخيار، أمضيا البيع ومضى كل في سبيله، وحينها لزم البيع.