فأدخل صلى الله عليه وسلم يده في الصبرة، فهي مفتوحة لكن يسوى لها قفة، فلما أدخل يده أصابت بللاً، وكان البلل من نفس الصبرة، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام) بعض الناس قد يرش الحنطة، أو الشعير، أو الذرة، فإذا تشربت الماء ثقلت وكبرت، وزهت، ولمعت، وفي هذا غش، فالرجل اعتذر، وقال: (أصابته السماء يا رسول الله!) أي: ماء السماء، وحذف ما يعلم جائز، فكأنه قال: أنا لم أغش، ولم أعمل شيئاً، ولكن الله أرسل الماء من السماء فنزل عليها، وهل هذا ينفعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانت أصابتها السماء، فكيف أصابت السماء الأدنى دون الأعلى؟! وقد يقال: جاءت الشمس والرياح على الأعلى وجففته، فالناظر يرى حباً يابساً جافاً ليس فيه رطوبة ولا ماء، فما دام أن السماء أصابته، وأنت لا ذنب لك في هذا الماء، فلماذا لم تجعل بلل الداخل ظاهراً حتى يراه الناس؟ ولماذا تركت الجانب الخارجي اليابس ظاهراً، فيراه الناس فيظنونه جيداً من الداخل؟! ولذلك قال له: (من غش فليس مني) (من غشنا فليس منا) .
إذاً: التدليس والغش في السلعة فيه هذا الوعيد.
والناس يكثرون الكلام في قوله: (ليس منا) ، وهل المراد: أنه خرج عن الإسلام وصار كافراً؟ أو ما معنى: (فليس منا) ؟ منا: تكون لجماعة الأتقياء، الأبرار، المتقين، المحسنين، الأمناء، وليس معنى ذلك: أنه يخرج عن مجموع جماعة المسلمين، ولكنه وعيد شديد، وبعض العلماء فيقول: مثل هذا النص لا يفسر، ولا يشرح، ويترك على إجماله؛ لأنه كالسوط المعلق، فمن رآه أرهبه، وهذا من أشد الوعيد فيما يتعلق بالغش.