الفأرة لها تاريخ! يقول بعض العلماء إنها من الأمم التي مسخت من قبل، ويذكر الشوكاني دلالة على مسخها، وليس معنى مسخها: أن كل فأرة في العالم من ذاك الممسوخ، فهناك مخلوق أصلي، وهناك مخلوق ممسوخ.
يقول بعض العلماء: لو قرّبت إليها حليب الإبل، أو لحم الإبل، ما أكلته وما شربته؛ لأن بني إسرائيل لا يشربون ألبان الإبل، ولا يأكلون لحومها؛ لأن خفها ذو ظفر، وإن كانت من الفئران الأصلية -قبل المسخ- فإنها تشرب وتأكل! وبعض العلماء يرد ذلك ويقول: إن كل ما مُسخ من الأمم التي نص القرآن أن الله جعل منهم قردة وخنازير لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام، أي: بعد أن ثبتت الآية في حقهم، والآخرون يقولون: إنهم لا زالوا يتناسلون، وموجودون حتى الآن.
والفأرة إن من طبيعتها الإفساد، فلا تعرف إصلاحاً أبداً، وسميت الفويسقة، وهي: تصغير فاسقة، لأن الفسق في اللغة: الخروج، تقول العرب: فسقت النواة عن الرطب، يعني: خرجت منها، وفسقت الحبة عن الرحى: أي طارت من تحتها ولم تُطحن، ومنه الفاسق من البشر: الذي يخرج إلى طريق الإفساد.
قالوا: إنها لا تخرج إلا للإفساد، ويقولون: إن الفأر خبير بمواطن دفن الذهب، وينقب عنه ويخرجه، ولهم في ذلك قصص.
وجاء في الحديث: (غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفؤا السراج) ، ثم بيّن صلى الله عليه وسلم وقال: (فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم) ، كما نبهنا بأنهم في السابق كانوا يستصبحون بالزيت، ويضعون الفتيل داخل السراج، وهو: عبارة عن كأس فيه زيت، ويضعون طرف الفتيل على حافة السراج، ويشعلون فيه النار، فيضيء مثل الشمعة، فإذا جاءت الفأرة، وأرادت أن تلعق الزيت، تخاف من النار، فتنثني بذنبها، وتسحب الخيط الذي في السراج، وتخرجه وتلقيه خارج السراج، وقد يكون مشتعلاً، فإذا سقط على فراش أو على ثياب أو شيء قابل للاحتراق أشعله، (فإن الفويسقة تضرم) أي: تحرق (على أهل البيت بيتهم) .
وأما تخمير الإناء فهو: تغطيته، فإذا كان الإناء فيه ولو ماء، فعليك أن تغطيه، وجاء في الأثر: (فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكر اسم الله فليفعل) ، ضع عليه عوداً معترضاً، وسم الله فإنه يكفيه، وذكر صلى الله عليه وسلم أن البلاء ينزل ليلة في السنة، فما وجد إناءً مكشوفاً إلا نزل فيه، حتى قال بعض العلماء: لو كان الإناء فارغاً فإما أن تكفيه، وإما أن تغطيه.
وإيكاء السقاء، السقاء: القربة، ومعلوم أنها كانت آلة الشرب، وتبريد الماء، وحمله، فإذا تركت فم القربة مفتوحاً -وخاصة في المناطق الحارة- فإن الهوام تبحث عن الأشياء الباردة، وتأتي وتلبد فيها طلباً للبرودة، فلربما هوام الأرض جاءت إلى فم القربة فوجدته مفتوحاً فدخلت، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم السقاء، ولو كان مربوطاً، فلا تذهب وتفكه وتضعه على فمك وتشرب، ولكن يجب أن تصب الماء في إناء لترى ماذا فيه؟ أهو صاف أم فيه شيء، فلو كان في السقاء شيء؟ وشربت بفيك فلن تستطع تداركه، لكن إذا صببت الماء في الإناء رأيت الإناء بما فيه.
وقد سمعنا في هذا حكايات كثيرة: فهذا يرى العقرب الصغيرة على فم القربة، وهذا رأى كذا وكذا، أشياء كثيرة، وهذا أمر طبيعي وخاصة في المناطق الحارة.
وهنا تذكر لنا ميمونة رضي الله تعالى عنها أن فأراً وقع في السمن، وأظن أنه لا يوجد بيت من البيوت يسلم من الفئران، إلا ما كان في الآونة الأخيرة من البيوت المسلحة التي ما فيها بيوت للفئران، ولا تستطيع أن تتخذ لها فيها بيوتاً، ولكن يمكن أن تدخل بين الأثاث، وخاصة في المخازن والمستودعات، فهناك تتكاثر وتتوالد وهي -سبحان الله- أعطاها الله كثرة الإنتاج.